الفروع ، فهو الذي أنبته في هذه المدرسة وغرس ، مجتهدا في نظر وقفها ، معتمدا على تتبع ورقات حسابها وصحفها ، عاملا بشروط الواقف فيما شرط ، قابضا ما قبضه ، وباسطا ما بسط ، ويقوى الله تعالى على حبه ، ليرفع فيها خاطره ، ويسرّح في رياضها الناضرة ناظره ، ومثله لا ينبّه عليها ، ولا يومي له بالإشارة إليها ، فلا ينزع ما لبس من حلاها ، ولا يسيره في مهمة مهم إلا بسناها ، والله يديم بفوائده لأهل العلم الظلّ الوريف ، ويجدّد له سعدا يشكر التالد منه والطريف. والظرف والخط الكريم أعلاه حجة بمقتضاه.
» وقال السيد في ذيل العبر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة : ومات بدمشق الفخر المصري كهلا ، حدّث عن ابن الجرائدي وغير ابن الجرائدي ، وناب في الحكم عن القاضي جلال الدين القزويني ، ودرّس بالرواحية والدولعية وغيرها ، وكان يلقي دروسا حافلة ، ويورد في دروسه من الأحاديث الطوال حفظا سردا من غير توقف ، وكان كثير التلاوة مغرما بالتجارة اه. ثم قال : في هذه السنة مات بدمشق ممن درّس بها الإمام العالم قاضي القضاة شمس الدين الأخنائي ، وقد تقدمت ترجمته في المدرسة الأتابكية. ثم درّس بها العالم العلامة المحدّث الفقيه الواعظ أقضى القضاة محيي الدين أبو زكريا يحيى بن أحمد ابن حسن القبابي (١) المصري ثم الدمشقي ، ميلاده في أواخر سنة ستين وأول سنة إحدى وستين ، واشتغل بالقاهرة ، وأقام بمدرسة السلطان حسن ، وحفظ التنبيه ، ومختصر ابن الحاجب والألفية ، وأخذ عن الشيخ سراج الدين البلقيني ، وابن الملقن ، والأبناسي (٢) وغيرهم من علماء العصر ، وأخذ الحديث عن الشيخ زين الدين العراقي ، والأصول عن الشيخ عز الدين بن جماعة ، والنحو عن الشيخ محب الدين بن هشام (٣) ، وحفظ الحاوي الصغير ، وتميز وفضل ، وقدم دمشق في سنة خمس وثمانين وحضر المدارس مع الفقهاء ، واشتهر فضله ، وأثنى المشايخ عليه.
__________________
(١) شذرات الذهب ١ : ٢٣٢.
(٢) شذرات الذهب ٧ : ٢.
(٣) شذرات الذهب ٦ : ٣٦١.