حضر من الحجاز كتب له توقيعا بإعادة تدريس الدولعية ونظرها إليه ، وهذه نسخته :
«رسم بالأمر العالي لا زال يرتفع به العلم الشريف إلى فخره ، ويعيده إلى خير حبر تقتبس العوائد من نوره وتغترف من بحره ، ويحمد الزمان بولايته من هو علم عصره ، وفخر مصره ، أن يعاد المجلس العالي الفخري إلى كذا وكذا وضعا للشيء في محله ، ورفعا للوابل على طله ، ودفعا لسيف النظر إلى يد هي تألف هزّه وسلّه ، ومنعا لشعب مكة أن ينزله غير أهله ، إذ هو لأصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه حجة ، ولبحر مذهبه الزاخر لجة ، ولأهل فضله الذين يقطعون مفاوزه بالسرى صبح بالمسير محجة ، طالما ناظر الأقران فعدلهم ، وجادل الخصوم في حومة البحث فخذلهم وجندلهم ، كما قطع الشبهات بحجج لا يعرفها السيف ، وأتى بوجه ما رأى الراءون أحلى منه في أحلام الطيف ، ودخل باب علم فتحه القفال لطلب نهاية المطلب التبري ، وارتوى من معين ورد عين حياته الحضرمي (١) ، وتمسك بفروع صحّ سبكها ، فقال ابن الحداد (٢) هذا هو الذهب المصري ، وأوضح المقال بما نسف به جبال النسفي (٣) ، وروى أقوال أصحاب المذاهب بحافظة يتمناها الحافظ السلفي ، كم جاور بين زمزم والمقام ، وألقى عصا سفره لما رحل عنها الحجيج وأقام ، وكم طاب له القرار بطيبة ، وعطر بالإذخر والجلبل رداءه وجيبه ، وكم استروح بظل نخلها والثمرات ، وتملى بمشاهدة الحجرة الشريفة ، وغيره يسفح على قرب تربها العبرات ، وكم كتب بالوصل له وصولا ، وبثّ شكواه ، فلم يكن بينه وبين الرسول رسولا ، لا جرم أنه عاد وقد زاد وقارا ، وآب بعد ما غاب ليلا فتوضح سبيله نهارا ، فليباشر ما فوّض إليه جريا على ما عهد من إفادته ، وألف من رئاسته لهذه العصابة وزيادته ، وعرف من زيادة يومه على أمسه ، فكان كنيل بلاده ولا يتعجب في زيادته ، حتى بدرسه ما درس ، وبثمر عود
__________________
(١) شذرات الذهب ٢ : ١٤.
(٢) شذرات الذهب ٢ : ٣٦٧.
(٣) شذرات الذهب ٤ : ١١٥.