تعالى بدمشق في داره بالعادلية الصغيرة بعد مرضة طويلة عوفي في أثنائها ، ثم انتكس يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ، وصلي عليه الظهر بالجامع الأموي ، ودفن في مقابر باب الصغير ، وكانت جنازته حافلة ، أخرج من الديار المصرية أول سنة اثنتين وسبعمائة ، وأقام بدمشق ، وقرأ القرآن على جماعة منهم الشيخ موسى العجمي ، وقرأ العربية والفقه أولا على الشيخ كمال الدين بن قاضي شهبة ، ثم قرأ الفقه على الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين الفزاري ، وقرأ بقية العلوم على الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ، وهو أكثرهم إفادة له ، وكان معجبا به وبذهنه الوقاد وحفظه المنقاد ، يشير إليه في المحافل والدروس وينوّه بقدره ويثني عليه ، وقرأ الفقه على الشيخ صدر الدين ، والنحو على الشيخ مجد الدين التونسي ، وعلى الشيخ نجم الدين القحفازي كتاب المعرب في النحو ، وحفظ الجزولية وبحث منها جانبا على الشيخ نجم الدين الصفدي ، وقرأ الحساب على النعمان ، والمنطق على جماعة أشهرهم الشيخ رضي الدين المنطقي ، وعلى الشيخ علاء الدين القونوي ، وحفظ المنتخب في أصول الفقه ، وحفظ مختصر ابن الحاجب في مدة تسعة عشر يوما ، وهو أمر عجيب إلى الغاية ، فان ألفاظ المختصر قلقة عقدة ما يرتسم معناها في الذهن ليساعد على الحفظ ، وحفظ المحصول في أصول الدين ، وهو قريب من ألفاظ المختصر ، وحفظ المنتقى في أيام عديدة كراسة في كل يوم ، والكراسة في قطع البلدي تتضمن خمسمائة سطر. وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة ولي تدريس العادلية الصغرى ، وفيها أذن له بالإفتاء وكان له من العمر ثلاث وعشرون سنة ، ولما توفي شيخه الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين جلس بعده بالجامع الأموي في حلقة الاشتغال بالمذهب وتأدب مع شيخه فأخلى مكانه وجلس دونه ، وعلق دروسا من التفسير والحديث والفقه مفيدة ، وسمع الحديث على هدية بنت عسكر (١) وأحمد بن مشرف ، وحجّ إلى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة سبع مرات ، جاور في الأولى بمكة والمدينة ، ولما
__________________
(١) شذرات الذهب ٦ : ٣١.