ثمان وثمانين واربعمائة ، وكان في شبيبته شهما شجاعا فاتكا ، قتل الأسد مواجهة وحده ، ثم عمّر إلى ان توفي في هذه السنة. قال ابن خلكان : ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان مات ودفن شرقي جبل قاسيون ، وزرت قبره وقرأت عنده وأهديت إليه انتهى. وقال في سنة تسع وثمانين في كلامه على وفاة صلاح الدين : وكان الذي تولى غسله خطيب البلد الفقيه الدوامي ، وكان الذي أحضر الكفن ومؤنة التجهيز القاضي الفاضل من صلب ماله الحلال وأبرز سيفه معه ، وصلى عليه صلاة الظهر يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر ، وكان له من العمر سبع وخمسون سنة ، وأمّ الناس عليه القاضي ابن الزكي ، ثم دفن في داره بالقلعة المنصورة ، وشرع ابنه ـ يعني الأفضل نور الدين علي ، وهو أكبر أولاده الستة عشر الذكور ـ في بناء تربة له ، وبمدرسة للشافعية بالقرب من مسجد القدم لوصيته بذلك قديما ، فلم يكمل بناؤها ولم يتمّ ، وذلك حين قدم ولده العزيز ، وكان محاصرا لأخيه الأفضل ، كما سيأتي بيانه في سنة تسعين ، ثم اشترى الأفضل دارا شمالي الكلاسة وراء ما زاده القاضي الفاضل في الكلاسة وجعلها تربة ، هطلت سحائب الرحمة عليها ، ووصلت ألطافه الوافية إليها ، وكان نقلته إليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين وصلى عليه تحت قبة النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرشي بن الزكي (١) عن إذن ولده الأفضل له ، ودخل في لحده ولده الأفضل فدفنه بنفسه ، وهو سلطان الشام ، وذلك لما عليه من الحق والخدمة والاكرام ، ويقال إنه دفن معه سيفه الذي يحضر به الجهاد ، وذلك عن أمر القاضي الفاضل تفاؤلا بأنه يكون معه يوم القيامة يتوكأ عليه حتى يدخل الجنة ، لما أنعم الله به عليه من كسر الأعداء ونصر الأولياء وأعظم عليه بذلك المنة ، ثم عمل عزاه في الجامع الأموي ثلاثة أيام ، وحضر الخاص والعام والرعية والحكام ، وسط ذلك. وقال في سنة اثنتين وتسعين في شهر رجب : منها أقبل العزيز من مصر صحبة عمه العادل في العساكر ، فدخلا دمشق قهرا
__________________
(١) شذرات الذهب ٤ : ٣٣٧.