شجاعا مقداما ، وبلغ من عفته أنه كان له غلام تركي اشتراه بألف دينار يقال له أبو شامة ، فوقف على رأسه في خلوة فنظر إلى جماله ، فأمره أن ينزع ثيابه وجلس بقصد الفاحشة ، فأدركه التوفيق ، فنهض مسرعا إلى بعض جواريه ، فقضى وطره ، والمملوك بحاله ، فأمره بالستر والخروج ، وأما عفته عن الأموال ، فلا أقدر أن أصف حكاياته في ذلك ، ثم حكى ثلاث حكايات في المعنى. وقال ابن واصل : كانت الرعية تحبه محبة عظيمة ، وفجعت بموته ، إذ كانت الآمال متعلقة بأنه يسد مسدّ أبيه. ثم حكى ابن واصل حكايتين في عدله ومروءته ، ولما سار أخوه الأفضل مع العادل فنزلا بمدينة بلبيس ، فتزلزل أمره ، بذات له الرعية أموالها ليذبّ عن نفسه فامتنع ، قال ابن واصل : وقد حكى أنه لما امتنع قيل له اقترض من القاضي الفاضل فان أمواله عظيمة فامتنع فألحوا عليه ، فاستدعى القاضي الفاضل ، فلما رآه مقبلا قام حياء ودخل إلى النساء ، فراسله الأمراء وشجعوه ، فخرج وقال له بعد أن أطنب في الثناء عليه : أيها القاضي قد ضاقت علي ، وليس لي إلا حسن نظرك وإصلاح الأمر برأيك أو مالك أو بنفسك ، فقال : جميع ما أنا فيه من نعمكم ، ونحن نقدم الرأي أولا والحيلة ، ومتى احتيج إلى المال فهو بين يديك. فوردت رسالة من العادل الى القاضي الفاضل باستدعائه ، فوقع الاتفاق. وقد حكي عنه ما هو أبلغ من ذلك ، وهو أن شخصا جاء إلى الأمير فخر الدين جهاركس (١) ، وقال : هذه خمسة آلاف دينار لك ، وهذه أربعون ألفا للسلطان ، وأريد قضاء الاسكندرية ، وذلك لعداوة شديدة بينه وبين القاضي الفاضل ، فأخذ منه المال واجتمع بالملك العزيز ليلا وأحضر له الذهب ، وحدثه فسكت ثم قال ، ردّ عليه المال ، وقل له إياك والعود إلى مثلها ، فما كل ملك عادلا أفأنا أبيع أهل الاسكندرية بهذا المال ، قال جهاركس : فوجمت وظهر علي بقول : أراك واجما وأراك أخذت شيئا على الوساطة! قلت نعم. قال كم أخذت؟ قلت خمسة آلاف دينار. قال أعطاك ما لا تنتفع به إلا مرة ، فأنا أعطيك ما تنتفع به في
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٢.