قبالته مرات ثم أخذ القلم ووقع لي خطة باطلاق جهة يقال لها طنبذا كنت أستغلها سبعة آلاف دينار ، وخرج إلى الفيوم فرماه الفرس فخسف صدره فردّ إلى القاهرة ومرض أسبوعين ومات في المحرم عن ثمان وعشرين سنة ، ودفن بدارم ثم حول إلى قرب تربة الامام الشافعي رضي الله تعالى عنه. وخلف من الولد عشرة ، وأقيم بعده ولده المنصور محمد بن عثمان وهو ابن عشر سنين أوصى له بالملك ، وأن يكون مدبره الأمير بهاء الدين قراقوش (١) الأسدي ، فاختلف رأي الأسدية ، وكانوا محبين للملك الأفضل مؤثرين له ، ولكن الأمراء الصلاحية بالعكس لكونهم أشاروا إليه ، فاجتمعوا بالقاضي الفاضل ، فأشار باقامة الأفضل في الأتابكية ، فطلب من صرخد ليعمل الأتابكية سبع سنين ثم يسلم الأمر لابن أخيه بشرط أن لا يذكر في خطبة ولا سكة ، فكتبوا إليه فأسرع إلى مصر في عشرين فارسا انتهى. قال ابن شداد : أول من درس بها قاضي القضاة محيي الدين ، ثم من بعده ولده زكي الدين ، ثم من بعده أخوه محيي الدين ، ثم من بعده الشيخ سيف الدين علي الآمدي المشهور ، ثم أقضى القضاة شمس الدين بن الشيرازي ، ثم بدر الدين قاضي سنجار ، ثم محيي الدين ، ثم ولده علاء الدين ، ثم ولده الآخر زكي الدين ، ثم من بعده ولده الآخر بهاء الدين. وهو مستمرّ بها إلى الآن انتهى.
قلت : درّس بها بعد محيي الدين بن الزكي لما عزل عن القضاء قاضي القضاة أبو القاسم جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن علي بن عبد الواحد الأنصاري الخزرجي العبادي الدمشقي الفقيه الشافعي الشهير بابن الحرستاني ، ولد في أحد الربيعين سنة عشرين وخمسمائة ، وسمع الكثير ، وحدث وبرع في المذهب ، وأفتى ودرس ، وطال عمره ، وناب في القضاء بدمشق عن ابن أبي عصرون ، وكان إماما فقيها عارفا ورعا صالحا ، محمود الأحكام كبير القدر حسن الصورة. قال أبو شامة : حدثني الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه لم ير أفقه منه ، وعليه ابتدأ
__________________
(١) شذرات الذهب ٤ : ٣٣١.