اشتغاله ، ثم صحب فخر الدين بن عساكر فسأله عنهما فرجح ابن الحرستاني ، توفي في ذي الحجة سنة أربع عشرة وستمائة ، وهو ابن خمس وتسعين سنة ، ودفن بسفح قاسيون. قال الصفدي : وفيه يقول ابن عنين :
تبا لحكمك لا حرستا |
|
هل أنت إلا من حرستا |
اسم تجمّع من حر |
|
واست فصار إذن حرستا |
ثم نقل ما قال أبو شامة. ثم قال : قلت وناهيك من يثني عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا الثناء. وقال : إنه يحفظ الوسيط للغزالي ، ولي القضاء نيابة بدمشق أيام شرف الدين بن ابي عصرون ، ولما أضرّ شرف الدين بقي على نيابته مع ابنه محيى الدين (١) ، فلما عزل وولي محيى الدين بن الزكي وهو شابّ انقطع ابن الحرستاني في بيته إلى أن ولّاه العادل قضاء القضاة ، وأخذ منه مدرستيه العزيزية والتقوية محيى الدين ، واعتنى به العادل عناية كثيرة الى الغاية بحيث أنه جهز له ما يفرش تحته في مجلس الحكم لضعفه وكبره وما يستند إليه ، وكان يجلس للحكم بمدرسته المجاهدية ، وناب بها عنه ابنه عماد الدين عبد الكريم ، وكان يجلس بين يديه ، فإذا قام يستند مكانه. ثم إنه منعه ذلك لشيء بلغه عنه. وناب عنه أيضا أكابر الشيوخ والقضاة يومئذ : شمس الدين ابن الشيرازي ، وكان يجلس قبالته في إيوان المجاهدية ، وشمس الدين ابن سني الدولة ، وشرف الدين بن الموصلي (٢) الحنفي بمجلس المحراب بها ، وبقي في القضاء نحوا من سنتين وسبعة أشهر ، ولما توفي كانت جنازته حافلة عظيمة ، وكان له يوم توفي خمس وتسعون سنة ، وفيه قال شهاب الدين فتيان الشاغوري (٣) :
يا من تدرّع في حمل الخمول ويا |
|
معانق الهمّ في سرّ وإعلان |
لا تيئسن روح من عادى لدى مائة |
|
قاضي القضاة الجمال بن الحرستاني |
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٧٩.
(٢) شذرات الذهب ٥ : ١٢٩.
(٣) شذرات الذهب ٥ : ٦٣.