يعني أنه غريب ولاية قاضي القضاة من هو في هذا السن ، على أنه امتنع من الولاية لما طلب لها فألزمه العادل بها ، وكان عادلا في ولايته صارما ، وكان عديم الالتفات إلى شفاعة الأكابر عنده. قال سبط بن الجوزي : اتفق أهل دمشق على أنه ما فاته صلاة بجامع دمشق في جماعة ، إلا إذا كان مريضا ، ينزل في الحويرة من سلم طويل ، فيصلي ويعود إلى داره ومصلاه بيده ، وكان مقتصدا في ثيابه ومعيشته ، ولم يدع أحدا من غلمان القضاة يمشي معه. وقال إن العادل كتب لبعض خواصه كتابا يوصيه به في خصومة بينه وبين آخر ، فجاء إليه ودفع إليه الكتاب ، فقال : أي شيء فيه؟ قال : وصية بي! قال : أحضر خصمك ، فأحضره والكتاب بيده لم يفتحه ، وادعى على الرجل ، فظهر الحق لغريمه فقضى عليه ، ثم فتح الكتاب وقرأه ورمى الكتاب لحامله ، وقال : كتاب الله تعالى قد قضى وحكم على هذا الكتاب ، فمضى الرجل إلى العادل فبكى بين يديه وأخبره بما قال ، فقال العادل : صدق ، كتاب الله أولى من كتابي : وكان القاضي جمال الدين المذكور قد شارك الحافظ أبا القاسم بن عساكر في كثير من مشايخة الدمشقية سماعا وفي الغرباء إجازة ، وسمع بدمشق علي بن المسلم ، وعبد الكريم بن حمزة (١) ، وعلي بن أحمد بن قيس (٢) المالكي ، وسمع بحلب علي بن سليمان المرادي أكثر سنن البيهقي ، وكان آخر من حدث عن عبد الكريم الحداد وجمال الإسلام علي بني المسلم سماعا ، وأجاز له أبو عبد الله الفراري ، وهبة الله بن مميل (٣) ، وقاضي المارستان ، وابن السمرقندي (٤) ، والأنماطي (٥) ، وزاهر بن ظاهر الشحامي (٦) ، وأبو المعالي الفارسي (٧) ، وعبد المنعم بن أبي القاسم القشيري (٨) ، انتهى كلام الصفدي.
__________________
(١) شذرات الذهب ٤ : ٧٨.
(٢) شذرات الذهب ٤ : ٩٥.
(٣) شذرات الذهب ٤ : ١٠٣.
(٤) شذرات الذهب ٤ : ١١٢.
(٥) شذرات الذهب ٤ : ١١٦.
(٦) شذرات الذهب ٤ : ١٠٢.
(٧) شذرات الذهب ٤ : ١٢٤.
(٨) شذرات الذهب ٤ : ٩٩.