من العريش إلى حمص والكرك ، وكان يركب وحده مرارا عديدة ثم يتبعه غلمانه يتطاردون خلفه ، وكان مكرما لأصحابه كأنه واحد منهم ، ويصلي الجمعة في تربة عمه الصالح السلطان صلاح الدين رحمهالله تعالى ، ويمشي منها إلى تربة أبيه ، وكان إخوته وملوك الأرض والأطراف يعظمونه. قال الملك الظاهر صاحب حلب عنه : هو والله واسطة العقد وعين القلادة. وكان الملك الكامل يقول : وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الملك المعظم. قال ابن الأثير : كان عالما بعدة علوم فاضلا فيها ، منها الفقه ومنها علم النحو ، وكذلك اللغة ، نفق سوق العلم في زمنه ، وقصده العلماء من الآفاق فأكرمهم وأعطاهم. إلى أن قال : ولم يسمع أحد منهم ممن صحبه كلمة نزقة ، وكان يقول كثيرا : اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر الطحاوي ، وكان يقول في مرضه : لي عند الله في أمر دمياط ما أرجو أن يرحمني به. وقال ابن واصل : كان جند الملك المعظم ثلاثة آلاف فارس لم يكن عند إخوته جند مثلهم ، في فرط تجملهم وحسن زيهم ، وكان بهذا العسكر القليل يقاوم إخوته ، وكان الكامل يخافه لما يتوهمه من ميل عسكر مصر إليه لما يعلمونه من أمر اعتنائه بأمر أجناده ، وكان المعظم يخطب لأخيه الكامل في بلاده ، ويضرب السكة باسمه ولا يذكر اسمه مع الكامل ، وكان مع شهامته وعظم هيبته قليل التكلف جدا ، لا يركب في الصناجق السلطانية في غالب أوقاته ، بل في جمع قليل ، ولقد رأيته بالقدس الشريف في سنة ثلاث وعشرين الرجال والنساء يزاحمونه فلا يردهم ، فلما كثر هذا منه ضرب به المثل فيمن يفعل فعلا لا تكلف فيه قيل : فعله كالمعظم ، توفي رحمهالله في سلخ ذي القعدة وأوصى أن لا يدفن في القلعة ، ويخرج إلى الميدان ويصلي عليه الناس ويحمل إلى قاسيون فيدفن على باب تربة والدته ، فلم تنفذ وصيته ودفن في القلعة ، ثم أخرجه الملك الأشرف لما ملك دمشق ، ودفن مع والدته في القبة وفيها أخوه المغيث ، وجرى على الرعية ما لا يجر عليهم عند موت أحد من الملوك انتهى. وقال الأسدي أيضا في سنة إحدى عشرة وستمائة : وفيها حج المعظم فسار على الهجن في حادي عشر ذي القعدة ومعه عز الدين أيبك صاحب صرخد