في شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، ودخل قلعة حلب بعد قتل علي صغير (١) في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ، وله ثلاثون سنة ، وكان أعدل ملوك زمانه بالاجماع ، وأكثرهم جهادا ، وأحرصهم على فعل الخير ، وأدينهم وأتقاهم لله تعالى ، قصده الابرنس صاحب أنطاكية فواقعه فكسره نور الدين رحمهالله تعالى وقتله وقتل ثلاثة آلاف من الفرنج ، وأظهر السنة بحلب وغير البدعة التي كانت في التأدين ، وقمع الرافضة ، وبنى بها المساجد والمدارس ، ووسع في أسواقها ، ومنع من أخذ ما كان يؤخذ منهم من المغارم بدار البطيخ ودار الغنم وضمان الشهر والكيالة ، وأبطل الخمر ، وكان في الحرب رابط الجأش ، ثابت القدم ، حسن الرمي ، وكان يعرض نفسه للشهادة ويسألها ، ولقد أحسن إلى العلماء وأكرمهم ، وبنى دور العدل وحضرها بنفسه ، ووقف على المرضى ، وأدرّ على الضعفاء والايتام وعلى المجاورين ، وأمر بالكمال سور المدينة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام ، واستخرج العين التي بأحد وكانت دفنتها السيول ، وفتح سبيل الحاج من الشام ، وعمر الربط والخوانق والبيمارستانات في بلاده ، وبنى الجسور والطرق والخانات ، ووقف كتبا كثيرة على أخذ العلم ، وكسر الفرنج وكسر الأرمن على حارم ، وكان العدو ثلاثين ألفا فلم يفلت منهم إلا القليل ، وقبلها كسر الفرنج على بانياس ، وأرسل جيوشه إلى مصر مرات إلى أن استولوا عليها وطهروها من الرفض ، وأعادوة الخطبة العباسية. قال ابن عساكر : وكان حسن الخط ، حريصا على تحصيل الكتب الصحاح والسنن ، كثير المطالعة للفقه والحديث ، مواظبا على الصلوات في جماعة ، كثير التلاوة والصيام والنسخ ، عفيفا متحريا في المطعم والمشرب ، عريا عن التكبر ، وكان ذا عقل متين ، ورأي رصين ، مقتديا بسيرة السلف الصالح ، متشبها بالعلماء والصلحاء ، وروى الحديث وأسمعه بالاجازة ، وكان من رآه شاهد من جلالة السلطنة وهيبة الملك ما يبهره ، وإذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره. قال ابن الجوزي رحمهالله تعالى : ولي الشام سنين ، وجاهد الثغور ، وانتزع من أيدي الكفار نيفا وخمسين مدينة
__________________
(١) شذرات الذهب ٤ : ٢٠٩.