وحصنا ، وبنى مارستانا بالشام ، وبنى بالموصل جامعا غرم عليه سبعين ألف دينار ، ثم أثنى عليه. وقال ابن شداد بل ابن الجوزي رحمهماالله تعالى : ما شد عن طاعة الخلافة ، وكان يميل إلى التواضع ومحبة العلماء والصلحاء ، وعاهد صاحب طرابلس ، وقد كان في قبضته أسيرا على أن يطلقه على ثلاثمائة ألف دينار ، وخمسمائة حصان ، وخمسمائة زردية ، ومثلها أتراس أفرنجية ، ومثلها قنطاريات ، وخمسمائة أسير مسلم ، وبأن لا يغير على بلاد المسلمين سبع سنين وسبعة أشهر ، وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك نيابة عن أولاد الفرنج وبطارقهم ، فان نكث أراق دماءهم وعزم على فتح بيت المقدس ، فتوفي رحمهالله تعالى.
وقال الموفق عبد اللطيف : كان نور الدين له بمنزلة كسير من الجهاد ، وكان يأكل من عمل يده : ينسج تارة ، ويعمل علابا تارة ، ويلبس الصوف ، ويلازم السجادة والمصحف ، وكان حنفيا ويراعي مذهب الشافعي ومالك رضي الله تعالى عنهم. وقال ابن خلكان : كان زاهدا عابدا متمسكا بالشريعة ، مجاهدا ، كثير البر والأوقاف ، وبنى بالموصل الجامع النوري ، وله من المناقب ما يستغرق الوصف ، توفي رحمهالله تعالى بقلعة دمشق بالخوانيق ، وأشاروا عليه بالفصد فامتنع ، وكان مهيبا فما روجع ، وكان أسمر طويلا ، ليس له لحية إلا في حنكه ، وكان واسع الجبهة ، حسن الصورة ، حلو العينين ، وقد طالعت السير فلم أرّ فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز رضياللهعنهم أحسن من سيرته ، ولا أكثر تحريا للعدل ، وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف في الذي يخصه إلا من ملك كان له ، قد اشتراه من سهمه في الغنيمة ، ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين ، ولقد طلبت منه زوجته ، فأعطاها ثلاثة دكاكين بحمص كراها نحو عشرين دينارا في السنة فاستقلتها ، فقال : ليس لي إلا هذا وجميع ما أنا فيه خازن المسلمين ، وهو أول من بنى دار الحديث ، وكان رحمهالله تعالى يصلي كثيرا بالليل ، وكان عارفا بالفقه على مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، ولم يترك في بلاده على سعته مكسا. إلى أن قال في أوقافه على أنواع البر : سمعت أن حاصل وقفه في الشهر تسعة آلاف دينار صوري. وقال له القطب النيسابوري