مرة : بالله لا تخاطر بنفسك ، فان أصبت في معركة لم يبق للمسلمين أحد إلا أخذه الشر ، فقال له : ومن محمود حتى يقال له ذلك؟ من حفظ البلاد قبل ذلك غير الذي لا إله إلا هو؟! ولأسامة بن منقذ فيه :
سلطاننا زاهد والناس قد زهدوا |
|
له فكلّ عن الخيرات منكمش |
أيامه مثل شهر الصوم طاهرة |
|
من المعاصي وفيها الجوع والعطش |
وقال مجد الدين بن الأثير في تاريخ الموصل : لم يلبس حريرا قطّ ولا ذهبا ولا فضة ، ومنع من بيع الخمر في بلاده ، وكان كثير الصيام ، وله أوراد في الليل والنهار ، وكان كثير اللعب بالكرة ، فكتب إليه بعض الصالحين ينكر عليه ويقول : تتعب الخيل في غير فائدة ، فكتب إليه بخطه : والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في تعب ؛ فربما وقع الصوت لتكون الخيل قد أدمنت الكر والفر ، وكان رحمهالله تعالى عارفا بمذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وليس عنده تعصب ، والمذاهب عنده سواء. قال : وكان يلعب يوما في ميدان دمشق وجاءه رجل وطلبه إلى الشرع ، فجاء معه إلى مجلس القاضي كمال الدين بن الشهرزوري ، وتقدّم الحاجب يقول للقاضي : قد قال لك لا تزعج ، واسلك معه ما تسلكه مع آحاد الناس ، فلما حضر سوّى بينه وبين خصمه ، فتحاكما فلم يثبت للرجل عليه حق ، وكان يدّعي ملكا في يد نور الدين فقال نور الدين : هل ثبت له حق؟ فقالوا لا. قال : فاشهدوا علي أني قد وهبت له الملك وإنما حضرت معه لئلا يقال عني دعيت إلى الشرع فأبيت ، قال : ودخل يوما فرأى مالا كثيرا فقالوا : بعث هذا القاضي كمال الدين من فائض الأوقاف ، فقال : ردوه وقولوا إنما رقبتي رقيقة لا أقدر على حمله غدا ، وأنت رقبتك غليظة تقدر على حمله ، ولما قدم أمراؤه دمشق ، اقتنوا الأملاك ، واستطالوا على الناس خصوصا أسد الدين شيركوه ، ولم يقدر القاضي كمال الدين على الانتصار من شيركوه ، فأمر نور الدين ببناء دار العدل في الأسبوع ، فقال شيركوه : إن نور الدين ما بنى هذه الدار إلا بسببي! وإلا فمن يمتنع على القاضي كمال الدين؟ وقال لنوابه : والله إن حضرت إلى دار العدل بسبب واحد منكم لأصلبنه ، فان كان بينكم وبين أحد