منازعة فارضوه مهما أمكن ولو أتى على جميع مالي. وكان نور الدين يقف عند دار العدل في الأسبوع أربع مرات ، ويحضر عنده العلماء والفقهاء ، ويأمر بازالة الحجّاب والبوابين ، وأنفق على عمارة جامع الموصل ستين ألف دينار ، وفوّض أمر عمارته إلى الشيخ عمر المنلا الزاهد ، ويقال أنفق عليه ثلاثمائة ألف دينار ، فتمّ في ثلاث سنين ، وبنى جامع حماة على جانب العاصي ، ووقع في أسره ملك الفرنج ، فأشار الأمراء ببقائه في أسره خوفا من شره ، فبذل هو في نفسه مالا ، فبعث إليه نور الدين سرا يقول له : أحضر المال فأحضر ثلاثمائة ألف دينار فأطلقه ، فعند وصوله إلى مأمنه مات ، فطلب الأمراء سهمهم من المال ، فقال : ما تستحقون منه شيئا لأنكم نهيتم عن الفداء ، وقد جمع الله تعالى لي الحسنتين : الفداء ، وموت اللعين وخلاص المسلمين منه ، فبنى بذلك المال المارستان والمدرسة بدمشق ودار الحديث ، وما كان أحد من الأمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هببته ، فاذا دخل عليه فقير أو عالم أو رثّ خرقة ، قام ومشى إليه وأجلسه إلى جانبه ، ويعطيهم الأموال ، فان قيل له : يقول هؤلاء لهم حق في بيت المال ، فاذا قنعوا منا ببعضه فلهم المنة علينا. وقال العماد الكاتب في البرق الشامي : أكثر نور الدين في السنة التي توفي فيها من الصدقات والأوقاف ، وعمارة المساجد ، وأسقط كل ما فيه حرام ، فما أبقى سوى الجزية والخراج ، وما يحصل من الغلات على قويم المنهاج ، وأمرني بكتب مناشير لجميع أهل البلاد ، فكتبت أكثر من ألف منشور ، وحسبنا ما تصدق به في تلك الشهور فكان ثلاثين ألف دينار ، وكان له برسم نفقة الخاص في كل شهر من الجزية ما يبلغ ألفي قرطاس ، يصرفها في كسوته وما حوله وأجرة خياطة وجامكية طباخه ، ويستفضل منها ما يتصدق به في آخر الشهر ، وقيل إن استمر كل ستين قرطاسا بدينار. وذكر العماد الكاتب جملة من فضائله ، ومبلغ ما أطلق من الرسوم والضرائب في كل سنة خمس مائة ألف وستة وثمانون ألفا وأربع مائة وستون دينارا ، وقد ذكر الذهبي تفصيل ذلك بالنسبة إلى كل بلد من بلاده. ونقل ابن واصل وغيره أنه كان من أقوى الناس بدنا وقلبا ، وأنه لم ير على ظهر فرس أشدّ منه ، كأنما خلق عليه ولا