وبالركنية شهرا ، ودرّس بالركنية ، وكان بيده حصة من التدريس بالزنجبيلية وغير ذلك ، وكان بيده جهات كثيرة ، وكانت سيرته في القضاء جيدة من جهة الأخذ على القضاء لم يسمع ذلك عنه ، إلا أنه لا يتوقف في شيء ويحكم بما دب ودرج ، ويعسر على المشارع في ذلك المدح في حكمه لعلمه ، وعدم الأخذ على القضاء ، فهلك بذلك خلق كثير ، أقاله الله تعالى عثرته ورحمه بموته ، وكان لا يهتدي إلى معرفة الصواب ؛ بل الغالب سلامة الفطرة ، وعليه مأخذ في دينه ومباشرته الأوقاف ، وكان يشغل بالجامع ويفتي وهو عين مذهبه بدمشق من مدة ، وكان لا يحسن تعليم الطلبة ، ولا يتصرف في البحث وغيره ، وإنما ينقل ما يحفظه ، ويستحضر فوائد غريبة ، ولقد بحثت معه مرة من مدة قريبة ، فسألته عن تحقيق شيء ، فقال : أنتم تنقلون وتتصرفون ونحن ننقل ولا نتصرف. وقال لي في ختم مسلم بالجامع الأموي ، وقد نقل شيئا فنازعته أنا وغيري فيه ، فقال : لي خمسون سنة أبحث مع العلماء وهم يكذبوني ولا أغضب ، وكان عنده كرم نفس وتواضع ، وقدر في آخر عمره أنه ولي القضاء من غير سؤال ، وكان السبب في ذلك أن القاضي شمس الدين بن العز استعفى ، والقاضي شمس الدين الصفدي لم يقبل الولاية بما وضع عليه ، فغضب السلطان الأشرف برسباي ، وأراد أن يولي ثالثا فذكر له ، فولاه القضاء وتدريس القصاعين لا غير ، وجاءته الولاية في أثناء شعبان من غير سعي منه ولا طلب ، فباشر ذلك دون الخمسة أشهر ، ولم يسمع عنه ما يحمد به ، بل كان له حرمة لما كان نائبا أكثر منها لما كان مستقلا بالقضاء ، ودفن بسفح قاسيون عند والدته بالقرب من زاوية الشيخ عبد الرحمن ابن أبي بكر بن داود رحمهالله تعالى ، وكانت جنازته مشهودة ، حضرها النائب والحاجب والأمراء والقضاة والفقهاء وخلق من الناس ، وصلي عليه بالجامع المظفري ، فقدم في الصلاة عليه القاضي الشافعي السراج الحمصي ، وأرسل القاضي الشافعي المذكور ولاية للقاضي زين الدين عبد الباسط ناظر جيش مصر بوظائفه يتقرب إلى خاطره بذلك انتهى.
ثم قال في أول سنة أربعين : وقاضي القضاة الحنفي شمس الدين الصفدي