الامتناع وأشار بتولية ابن الحرستاني.
قال أبو شامة : كان يتورع من المرور في رواق الحنابلة لئلا يأثموا بالوقيعة فيه ، وذلك ان عوامهم يبغضون بني عساكر لأنهم أعيان الأشعرية الشافعية ، وعزله الملك المعظم عن توليته تدريس العادلية لكونه أنكر عليه تضمين المكوس والخمور. ثم أنه لما حج اخذ منه التقوية واخذت منه قبل ذلك الصلاحية التي بالقدس ، وما بقي معه الا الجاروخية ، روى عنه الزكي البرزالي والضياء المقدسي والتاج عبد الوهاب بن زين الأمناء (١) والزين خالد (٢) وغيرهم ، وتفقه عليه جماعة منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام. قال ابن الحاجب : هو أحد الائمة المبرزين بل وأوحدهم فضلا وكبيرهم ، شيخ الشافعية في وقته ، وكان إماما زاهدا ذاكرا لله ، كثير التهجد ، غزير الدمعة ، حسن الأخلاق ، كثير التواضع ، قليل الغضب ، سلك طريق أهل اليقين ، وكان أكثر أوقاته في بيته في الجامع وفي نشر العلم ، وكان مطرح التكلف ، وعرض عليه مناصب وولايات دينية فتركها ، وحدث بمكة المشرفة ودمشق والقدس الشريف وصنف في الفقه وفي الحديث عدة مصنفات.
قال الشهاب القوصي في معجمه : كان شيخنا فخر الدين كثير البكاء ، سريع الدموع ، كثير الورع والخشوع ، وافر التواضع عظيم الخضوع ، وكثير التهجد قليل الهجوع ، مبرزا في علم الأصول والفروع ، جمعت له العلوم والزهادة ، وعليه تفقهت فأحرزت الإفادة ، توفي رحمهالله تعالى في شهر رجب. قال أبو شامة : أخبرني من حضر وفاته قال : صلى الظهر ثم جعل يسأل عن العصر فقيل له لم يقرب وقتها فتوضأ ثم تشهد وهو جالس وقال : رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلىاللهعليهوسلم نبيا لقّنني الله حجتي ، وأقالني عثرتي ، ورحم غربتي ، ثم قال : وعليكم السلام فعلمت انه قد حضرته الملائكة ثم انقلب على قفاه ميتا رحمهالله تعالى ودفن بمقابر الصوفية بطرفها الشرقي
__________________
(١) شذرات الذهب ٥ : ٣٠٢.
(٢) شذرات الذهب ٥ : ٣١٣.