سنة خمس وستين فيها أخذ مروان بن الحكم البيعة لنفسه ولا بنيه من بعده عبد الملك ، ثم عبد العزيز.
قرأت على أبي غالب بن البنا ، عن أبي محمّد الجوهري ، عن أبي عمر بن حيّوية ، أنا سليمان بن إسحاق ، نا حارث بن أبي أسامة ، نا محمّد بن سعد ، قال (١) :
وكان مروان بن الحكم قد عقد ولاية العهد لعبد الملك بن مروان ، وبعده عبد العزيز بن مروان ، وولّاه مصر ، فأقرّه عليها عبد الملك ، وثقل على عبد الملك مكانه.
قالوا (٢) : وكان عبد الملك قد همّ أن يخلع أخاه عبد العزيز بن مروان ويعقد لابنيه الوليد وسليمان بعده بالخلافة ، فنهاه عن ذلك قبيصة بن ذؤيب وقال له : لا تفعل هذا ، فإنك تبعث به عليك صوتا نعّارا (٣) ، ولعل الموت يأتيه فتستريح منه ، فكفّ عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه أن يخلعه ، فدخل عليه ليلة روح بن زنباع الجذامي ، وكان يبيت عند عبد الملك وسادهما واحد ، وكان أحلى الناس عند عبد الملك ، فقال : يا أمير المؤمنين لو خلعته ما انتطحت فيه عنزان. قال : ترى ذلك يا أبا زرعة؟ قال : أي والله ، وأنا أول من يجيبك إلى ذلك ، فقال : نصبح إن شاء الله. قال : فبينا هو على ذلك وقد نام عبد الملك بن مروان وروح بن زنباع إلى جنبه إذ دخل عليهما قبيصة بن ذؤيب طروقا ، وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابه فقال : لا يحجب عني قبيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار ، إذا كنت خاليا أو كان عندي رجل واحد. وإن كنت عند النساء أدخل المجلس وأعلمت بمكانه. فدخل وكان الخاتم إليه. وكانت السكة [إليه](٤) تأتيه [الأخبار](٥) قبل عبد الملك فيقرأ الكتب قبله ثم يأتي بها منشورة (٦) إلى عبد الملك فيقرءوها إعظاما لقبيصة. فدخل عليه فقال : آجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك.
قال : وهل توفي؟ قال : نعم ، قال : فاسترجع عبد الملك بن مروان ثم أقبل على روح فقال : أبا زرعة كفانا الله ما كنا نريد ، وما أجمعنا عليه. وكان ذلك مخالفا لك يا أبا إسحاق ،
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٣٦ ضمن أخبار عبد العزيز بن مروان.
(٢) ابن سعد ٥ / ٢٣٣ ضمن أخبار عبد الملك بن مروان.
(٣) نعارا : نعر الرجل نعيرا ونعارا : صاح وصوّت. والنعار : كشداد العاصي ، والنعار : السّعّاء في الفتن ، والصّيّاح (تاج العروس بتحقيقنا : مادة : نعر).
(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم ، وأضيف عن ابن سعد.
(٥) ما بين معكوفتين سقط من الأصل وم ، وأضيف عن ابن سعد.
(٦) الأصل وم ، والمثبت عن ابن سعد.