وشحّنا بها صحفنا وأوراقنا نحسب بهذا ومثله يحصل الغرض المهم من الاتحاد ونكون كأمة من الأمم الحيّة التي نالت بوحدتها عزّها وشرفها ، وأخذ المستوى الذي يحقّ لها ولذلك تجدنا لا نزداد إلّا هبوطا ، ولا ننال متاعنا إلّا خفافا وحبوطا ، لا تجد لأقوالنا أثرا إلّا أنّنا نأنس بها ساعة سماعنا لها وما هي بعد ذلك إلّا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا.
ويستحيل لو بقي المسلمون على هذه الحالة أن تقوم لهم قائمة أو تجتمع لهم كلمة أو تثبت لم في المجتمع البشري دعامة ، ولو ملأوا الصحف والطوامير وشحنوا أرجاء الأرض وآفاق السماء بألفاظ الاتحاد والوحدة ، وكلّ ما يشتقّ منها ويرادفها ، بل ولو صاغوا سبائك الخطب منها بأساليب البلاغة ونظموا فيها عقود جواهر الإبداع والبراعة ، كلّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدّي والحركة الجوهريّة ، ويحوروا أخلاقهم وملكاتهم ، ويكبحوا جماع أهوائهم ونفوسهم بإرسال العقل والرؤية والحنكة والحكمة فيجد كلّ مسلم أنّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته ذلك حيث ينزع الغلّ من صدره والحقد من قلبه ، وينظر كلّ من المسلمين إلى الآخر مهما كان نظر الإخاء لا نظر العداء ، وبعين الرضا لا بعين السخط ، وبلحاظ الرحمة لا الغضب والنقمة ، ذاك حيث يحسّ بوجدانه ويحدّ بضرورة حسّه أنّ عزّه بعزّ إوانه وقوّته بقوّة أعوانه ، وأنّ كلّ واحد منهم عون للآخر ، فهل يتقاعس عن تقوية عونه وتعزيز عزّه وصونه؟ كلّا.
ثمّ إذا كان التخلّق بهذا الخلق الشريف عسيرا لا ينال وشأوا متعاليا لا يدرك ولا يستطيع المسلم أن يواسي أخاه المسلم وأن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه وأن يجد أنّ صلاحه بصلاح أمّته وعزّه بعزّ قومه فلا أقلّ من التناصف والتعادل والمشاطرة والتوازن فلا يجحد المسلم لأخيه حقّا ، ويبخسه كيلا ، ولا يطفّف له وزنا ، والأصل