ورسل الله إلى عباده في هذا العصر ، يجدّدون من معالم الإسلام ما درس ، ويرفعون من منار المحمّديّة ما طمس ، وكان بفضل تلك المساعي الدائبة والجهود المستمرّة من أولئك رجال ـ وقليل ما هم ـ قد بدت بشائر الخير وظهور طلائع النجاح ، ودبّت وتسرّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة وصار يتقارب بعضهم من بعض ، ويتعرّف فريق لفريق.
وكان أوّل بزوغ لشمس تلك الحقيقة ونموّ لبذر تلك الفكرة ما حدث بين المسلمين قبل بضعة أعوام في المؤتمر الإسلامي العام في القدس الشريف من اجتماع ثلّة من كبار المسلمين وتداولهم في الشؤون الإسلاميّة وتبادل الثقة والإخاء فيما بينهم على اختلافهم في المذاهب والقوميّة وتباعد أقطارهم وديارهم ، ذلك الاجتماع الذي هو الأوّل من نوعه والوحيد في بابه الذي علّق عليه سائر المسلمين الآمال الجسام ، فكان قرّة عين المسلمين كما كان قذى عيون المستعمرين ، والذي حسبوا له ألف حساب ، وأرصدوا دونه حسب إمكانهم كلّ باب.
ولكن على رغم كلّ ما قام به أولئك الأعلام من التمهيدات لتلك الغاية وما بذلوه من التضحيات والمفاداة في غرس تلك البذرة وتعاهدها بالعناية والرعاية حتّى تثمر الثمر الجني وتأخذ حظّها من الرسوخ والقوّة لانزال نحن معاشر المسلمين بالنظر العام نتعلّق بحبال الآمال ونكتفي بالأقوال عن الأعمال ، وندور على دوائر الظواهر والمظاهر دون الحقائق والجواهر ، ندور على القشور ولا نعرف كيف نصل إلى اللبّ على العكس ممّا كان عليه أسلافنا أهل الجدّ والنشاط ، أهل الصدق في العمل قبل القول ، وفي العزائم قبل الحديث ، تلك السجايا الجبّارة التي أخذها عنهم الأغيار فسبقونا وكان السبق لنا وكانت لنا الدائرة عليهم فأصبحت علينا تلك سنّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنّة الله تبديلا.
نحن نحسب أنّنا إذا قلنا قد اتحدنا واتفقنا وملأنا بتلك الكلمات لهواتنا وأشداقنا