لم يبق ذو حسّ وشعور في شرق الأرض وغربها إلّا وقد أحسّ وشعر بضرورة الاتحاد والاتفاق ومضرّة الفرقة والاختلاف حتّى أصبح هذا الحسّ والشعور أمرا وجدانيّا محسوسا يحسّ به كلّ فرد من المسلمين كما يحسّ بعوارضها الشخصيّه من صحّته وسقمه وجوعه وعطشه وذلك بفضل الجهود التي قام بها جملة من أفذاذ ـ أي أفراد ـ الرجال المصلحين في هذه العصور الأخيرة الذين أهابوا بالمجتمع الإسلامي وصرخوا فيه صرخة المعلم الماهر وتمثّلوا للمسلمين بمثال الطبيب النطاسي ـ المدقّق في الأمور ـ الذي شخص الداء وحصر الدواء وأصاب الهدف بما عيّن ووصف وبعث النفوس بعثا حثيثا وشوقها إلى استعمال الدواء ما قطع مادة ذلك الداء الخبيث والعلل والأمراض المهلكة قبل أن تقضي على هذا الجسد الحي فيدخل في خبر كان ويعود كأمس الدابر.
صرخ المصلحون فسمع المسلمون كلّهم عظيم صرخاتهم بأنّ داء المسلمين تفرّقهم وتضارب بعضهم ببعض ، ودواؤهم الذي لا يصلح آخرهم إلّا به كما لم يصلح إلّا عليه أوّلهم ألا وهو الاتفاق والوحدة ومؤازرة بعضهم لبعض ، ونبذ التشاحن وطرح بواعث البغضاء والإحن والأحقاد تحت أقدامهم ، ولم يزل السعي لهذا المقصد السامي والغرض الشريف إلى اليوم دأب رجالات أنار الله بصائرهم وشحذ عزائمهم وأشعل جذوة الإخلاص لصالح هذه الأمّة من وراء شغاف أفئدتهم فما انفكّوا يدعون إلى تلك الوحدة المقدّسة وحدة أبناء التوحيد وانضمام جميع المسلمين تحت راية «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» من غير فرق بين عناصرهم ولا بين مذاهبهم ، يدعون إلى هذه الجامعة السامية والعروة الوثقى والسبب المتين الذي أمر الله بالاعتصام به والحبل القوي الذي أمر الله به أن يوصل ، يدعون إليها لأنّها هي الحياة وبها النجاة للأمّة الإسلاميّة وإلّا فالهلاك المؤبّد والموت المخلّد.
أولئك دعاة الوحدة ، وحملة مشعل التوحيد. أولئك دعاة الحقّ وأنبياء الحقيقة