حدّثني السيّد السند والحبر المعتمد العالم الزاهد والناسك العابد السيّد محمّد هادي العاملي المجاور لمشهد الكاظمين عليهماالسلام ، عن الشيخ زين العابدين السلماسي قال : كنت أصلّي يوما في داخل الحضرة الشريفة للعسكريّين عليهماالسلام ولم يكن فيها أحد غيري وإذا برجل من الأتراك دخل الحضرة الشريفة وخاطب الإمام بعد الزيارة وقال بلسان التركيّة ما معناه : إنّي أريد منك نفقتي التي ضاعت منّي وأنت تعلم أنّه ليس لي شيء أبلغ به وطني وكان زادي منحصرا فيها ، ولا أفارقك حتّى آخذها منك ، ثمّ خاطب الإمام عليهالسلام بكلمات عامية فيها نوع من الجسارة التي ربّما تصدر من أمثال البسطاء السذج ضعفاء القول.
قال رحمهالله : فلمّا سمعت مقالاته المنكرة وكان يظنّ أنّي لا أفهم لسانه فقمت إليه وقلت : ما هذه الإسائة في الأدب والتجرّي على الإمام عليهالسلام؟ فنهرته ورددته عن مقالته. فقال : مالك والدخول بيني وبين إمامي ، اذهب إلى شغلك الذي كنت عليه فإنّي أعرف به وبحقّه منك ولا أفارقه حتّى أقضي منه مرادي ، فرجعت إلى مكاني في الزاوية التي تلي جهة الرأس والرجل عاد إلى كلامه ويطوف حول الشبّاك وكنت متفكّرا في أمره إذا بصوت كوقع السلسلة على الطست ، فنظرت فرأيت كيسا قد طرح على الأرض بجنب الشبّاك من سمت الرأس ، وكان الرجل حينئذ فيما يلي الرجلين ، فلمّا سمع الصوت رجع إلى جهته فرأى كيسه فتناوله مبتهجا مسرورا واستقبلني وقال : أرأيت كيف أخذت كيسي منهما عليهماالسلام بمقالاتي التي أنكرتها واستوحشت منها ، ولولاها لم يلتفتوا إليّ.
فقلت له : أين ضاع كيسك؟ قال : بين المسيّب وكربلا ، ولم أعلم به إلّا هنا ، فتعجّبت من يقينه وإخلاصه وشكرت الله تعالى بما أراني من آيات حججه عليهمالسلام.