فلمّا كان من الغد قالت الكبرى للصغرى : هو ذا قد ضاجعت البارحة أبي فنسقيه خمرا الليلة وادخلي واضطجعي معه ، فسقتاه خمرا في هذه الليلة أيضا وقامت الصغرى فضاجعته ولم يعلم بنومها ولا قيامها فحملتا ابنتا لوط من أبيهما وولدت الكبرى ابنا سمّته «مواب» هو أبو بني مواب إلى هذا اليوم ، وولدت الصغرى ابنا سمّته «عمون» وهو أبو بني عمون إلى هذا اليوم ، هذا نصّ التوراة التي بيد اليهود وترجمتها حرفا بحرف ، وهذا كذب صريح وبهتان قبيح.
ومن الممتنع في المقول وقوع مثل هذا العار والشنار من رسل الله وأنبيائه ، وابتلاء بناتهم وأبنائهم بما تبقى شناعته مدى الدهر ، وما بقي من هذا النسل ، ومواب وعمون أمّتان عظيمتان بين البلقاء وجبال الشراة ، وقد كانت جدّة داود وسليمان من بني مواب فيكون هذا النسل كلّه عند اليهود زنيمين لعدم حصوله من نكاح صحيح ، فإنّ تحريم البنت على الأب ممّا اتفقت عليه جميع الشرايع والأديان ، وقد كانت الأخت أيضا محرّمة في الملل السابقة ولذا قال إبراهيم عليهالسلام لمّا سأله المصريّون عن سارة : إنّها أختي حتّى لا يظنّ أنّها زوجته فيقتلوه ، ولا ريب أنّ البنت أولى بالتحريم من الأخت ، ومن المستعبد في العادة إيلاد شيخ الطاعن في السنّ في ليلتين متعاقبتين مع البكر المفرط الذي ادّعوه ، وقد كان لوط عليهالسلام من بعد قضيّة سدوم قد قارب المائة كما قيل.
ثمّ كيف ظنّت البنتان خلوّ العالم عن الرجال مع علمهما بأنّ الهالك هم قوم لوط عليهالسلام خاصّة ، وقد علمتا أنّ إبراهيم عليهالسلام وقومه في قرية حيرون ولم يكن بينه وبينهما إلّا مقدار فرسخ واحد ، وإنّ البليّة لم تصبهم ، وإنّ جميع العالم سوى قوم لوط منها سالمون ، فهذا كذب ممزوج بحماقة مفرطة ، ولو لم يكن إلّا علمهما باطّلاع أبيهما على هذا الفعل الشنيع ـ إذا صحّ ـ وكذا علم إبراهيم عليهالسلام عمّ أبيهما على جلالة شأنه وقرب مكانه لكفى ذلك حاجزا عن ارتكابهما لهذا الأمر الفظيع على تقدير إمكانه.