فهذا ومثله ممّا وقع في توراتكم يا معشر اليهود ، وهو دليل على وقوع التحريف والزيادة فيها ، ولو أردنا تفصيل ما وقع في هذه التوراة من التناقض والاختلاف وما لا يليق بالباري جلّ شأنه من الجسم والصورة والندم والأسف والعجز والتعب لطال الكلام ولم يسعه المقام ، ولكن أخبروني يا معشر اليهود هل تخلو شريعة من الشرايع عن الصلاة؟
فقالوا : لا ، إنّ الصلاة ثابتة في جميع الشرايع وما خلت شريعة منها.
فقال أيّدها الله تعالى : أخبروني عن صلاتكم هذه ما أصلها؟ ومن أين مأخذها؟ وهذه التوراة وهي خمسة أسفار قد سبرناها وعرفنا ما فيها سفرا سفرا فلم نجد للصلاة في شيء منها اسما ولا ذكرا.
فقال بعضهم : قد علم أمرها من فحوى الكلام لا من صريحه فإنّ التوراة قد اشتملت على الأمر بالذكر والدعاء.
فقال لهم أيّده الله تعالى : ليس الكلام في الذكر والدعاء بل في خصوص هذه الصلاة المعهودة عندكم في ثلاثة أوقات : الصبح والعصر والعشاء ، وهي التي تسمّونها «تفلاه شحريت» و «تفلاه منحا» و «تفلاه عرب». وأمّا الذكر والدعاء فكلاهما أمر عامّ لا يختصّ بوقت دون وقت ، ولا جهة دون أخرى ، وأنتم تتوجّهون في هذه الصلاة إلى بيت المقدس وليس ذلك شرطا في مطلق الذكر والدعاء.
ويلزمكم في اشتراط التوجّه إلى بيت المقدس محذور آخر لا أراكم تخلصون منه وهو أنّ بيت المقدس كان خطّه داود عليهالسلام وبناه ابنه سليمان عليهالسلام وكان بين موسى وبين سليمان أكثر من خمسمائة عام فكيف كانت صلاة موسى عليهالسلام ومن بعده من الأنبياء إلى زمان سليمان وبنائه لبيت المقدس ، ومثل ذلك يلزم عليكم في أمر الحجّ فإنّ الحجّ عندكم إلى بيت المقدس ولم يكن له وجود في زمن موسى عليهالسلام ومن بعده من