كتابك أبقاك الله ، والكتاب الذي في درجه وأحاطت معرفتي بما تضمّنه على اختلاف ألفاظه وتكرّر الخطأ فيه ، ولو تدبّرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله ربّ العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا ، أبى الله عزوجل للحقّ إلّا إتماما ، وللباطل إلّا زهوقا ، وهو شاهد عليّ بما أذكره ولي عليكم كفيل بما أقوله إذا اجتمعنا بيوم لا ريب فيه ، وسألنا عمّا نحن فيه مختلفون ، وإنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على من كتب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ولا طاعة ولا ذمّة ، وسأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.
يا هذا ، يرحمك الله ، إنّ الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أمهلهم سدى ، بل خلقهم بقدرته وجعل لهم أبصارا وأسماعا ، وقلوبا وألبابا ، ثمّ بعث إليهم النبيّين عليهمالسلام مبشّرين ومنذرين يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ، ويعرّفوهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابا بعث إليهم ملائكته ، وبيّن فضلهم عليهم بما آتاهم من الدلائل الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة ، فمنهم من جعل عليه النار بردا وسلاما ، واتّخذه خليلا ، ومنهم من كلّمه تكليما ، وجعل عصاه ثعبانا مبينا ، ومنهم من أحيا الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علّمه منطق الطير وأوتي من كلّ شيء.
ثمّ بعث محمّدا رحمة للعالمين ، وتمّم به نعمته ، وختم به أنبيائه ورسله إلى الناس كافّة ، وأظهر من صدقه ما ظهر ، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن ، ثمّ قبضه حميدا ، فقيدا سعيدا ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمّه ووصيّه ووارثه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد ، أحيا بهم دينه ، وأتمّ بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوتهم وبني عمّهم والأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا تعرف به الحجّة من المحجوج ، والإمام من المأموم ، بأن عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهّرهم من الدنس ، ونزّههم من اللبس ، وجعلهم خزّان