من الشيخ تعظيم عظيم ، ورأيت عنده كراريس أخرجها إليّ قدسسره فيها مسائل تكلّم فيها فيما يتعلّق ببعض تحقيقات الشيخ وتحتها خطّ الشيخ جواب وتحقيق ، وتحته بخطّه قدسسره جواب عن تحقيق الشيخ ، كلّ الكراريس بخطّه على هذا النحو.
وحدّثني في هذا المجلس الذي أراني فيها الكراريس أنّ الشيخ في آخر عمره التمس منّي أن أجدّد النظر في الرسائل وأن أنقّحها وأهذّبها وكرّر ذلك عليّ مرارا فلم أفعل احتراما للشيخ ، وكان في غاية التعظيم للشيخ ، إذا طرأ ذكره في مجلسه فصار واحد دهره في عصره ، وكان قدسسره لا ينسى من يراه ولو مرّة واحدة وغاب عنه عشرين سنة فإذا دخل عليه عرفه بمجرّد دخوله ، بل رأيت من دخل عليه ليلا وهو شابّ ليس في عارضيه نبات وغاب عنه أربع عشرة سنة فدخل عليه وهو ذو لحية كثيفة فبمجرّد أن سلّم عليه قال : عليكم السلام جناب الشيخ حسين ، هل يشترط في المهاجر إلى العلم في النجف الأشرف أن لا يزور سامرّاء أربع عشرة سنة؟ جنابك جئت إلى هنا لما جئت من جبل عامل والآن أظنّك تريد الرواح إلى جبل عامل؟ فقال له : نعم يا سيّدي أريد الرواح إلى بلدي إن شاء الله بتوجّهاتكم ، فلمّا خرجنا قال لي الشيخ حسين المذكور : هذا والله العجب العجاب! أنا كنت قد دخلت عليه قبل أربع عشرة سنة ولا شعر في وجهي في الليل فكيف الآن عرفني وحفظ اسمي مدّة مفارقتي له؟! ما هو إلّا كرامة من السيّد. فقلت له : ما هي الكرامة بل الكرامة ما منحه سبحانه وتعالى من سعة البال وقوّة الحافظة ، ومثل هذا لا يحصى كثرة
وكان قدسسره ينظر إلى الحديث أو العبارة نظرة واحدة وأنا إلى جنبه فيرفع رأسه فيقرأها على ظهر قلبه للجماعة ، وسمعت منه إنّه قال : كنت أستنسخ رسالة أصل البراءة لشيخنا الشيخ المرتضى رحمهالله في الليل فأنظر في الرسالة وأحفظ السطر والسطرين وأكتبهما وأنا في خلال ذلك أباحث الميرزا إسماعيل الصرف وكان طفلا صغيرا وما كان يسعني ذلك إلّا أوّل الليل.