نور بصري وقوّة ظهري ونتيجة عمري ، وأمثال هذه المشوّقات. وكان قدسسره يربّي تلامذته في العرفيّات أيضا ويعلّمهم المعاشرة وأصول الصحبة وسائر ما يكون داخلا في المعاشرة ، فضلا عن العلم وكيفيّة تحصيله ، وحقوقه على تلامذته لا تعدّ وتحصى. وكان أعدّ منهم جماعة من الخواص الأجلّاء انتخبهم للمشورة في الأمور العامّة الدينيّة التي كان المرجع فيها من أطراف البلاد والأصقاع كالمسألة الدخانيّة وأمثال تلك من القضايا المهمّة ، ومن هؤلاء الأصحاب الخواصّ من كان عنده بابا في قضاء الحوائج يقبل واسطتهم ولا يرد منها شيئا ، ويجري الخير على يده للإخوان المؤمنين.
وأمّا سيرته مع عياله وأولاده فعلى أتمّ نظام وأكمل تدبير وإتقان ، فقد عيّن لكلّ من أولاده وبناته وزوجاته دارا وخادما ، وعيّن لهم راتبا شهريّا لكلّ حسب ما يكفيه في معاشه ، ولا يقدر أحد أن يعمل بخلاف ما قرّره ، وكان كلّ ما يهدي إليه من التحف والهدايا والوجوه وغيرها يودعه بيده عند أمينه الخاص من خدّامه في الدار التي هو فيها ، وليس لأحد التصرّف بشيء غير ما قد عيّن له ، ولا يدخل عليه أحد منهم حتّى ابنه وزوجته إلّا بالاستيذان كسائر الواردين.
سيرته في تقسيم الوجوه والحقوق
قال شيخنا العلّامة في هدية الرازي : وأمّا سيرته في توزيع الحقوق الشرعيّة فشيء لا يمكن وصفه فإنّه إذا دفع شيئا منها بيده الشريفة فمع كمال الأدب والاحترام وغاية الانكسار والإخفاء بحيث يشكره المدفوع له غاية الشكر ويرضى بكلّ ما أعطاه ولا يستقلّه ، ولا يدفع النقد إلّا ملفوفا بكاغذ أو غيره ، وهذه حاله مع سائر الناس فضلا عن المحترمين.