الفقيه وأملاه عليّ بالأندلس ، ثنا أبو البركات محمّد بن عبد الواحد الزّبيري ، حدّثني أبو علي حسن بن الأسكري (١) المصري ، قال : كنت من جلّاس تميم بن أبي تميم ، وممّن يخفّ عليه جدا قال : فأرسل إلى بغداد ، فابتيعت له جارية رائعة فائقة الغناء ، فلمّا وصلت إليه دعا جلساءه قال : فكنت فيهم ، ثم مدّت السّتارة ، وأمرها بالغناء ، فغنّت :
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى |
|
برق تألّق موهنا لمعانه |
يبدو كحاشية الرداء ودونه |
|
صعب الذّرى متمنّع أركانه |
وزاد فيها غيره (٢) هذا البيت :
فمضى لينظر كيف لاح فلم يطق |
|
نظرا إليه وصدّه سجّانه |
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه |
|
والماء ما سمحت به أجفانه |
قال : فأحسنت ما شاءت ، فطرب تميم وكلّ من حضر ثم غنّت :
سيسليك عمّا فات دولة مفضل |
|
أوائله محمودة وأواخره |
ثنا الله عطفيه وألّف شخصه |
|
على البرّ مذ شدّت عليه مآزره |
قال : فطرب تميم ومن حضر طربا شديدا قال : ثم غنّت :
استودع الله في بغداد لي قمر (٣) |
|
بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه |
قال : فاشتد طرب تميم وأفرط جدا ، ثم قال لها : تمنّي ما شئت ، فلك مناك ، فقالت : أتمنى عافية الأمير وسعادته ، فقال : والله لا بدّ لك أن تتمني ، فقالت : على الوفاء أيّها الأمير بما أتمنى؟ فقال : نعم ، فقالت : أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد ، قال : فاستقع لون تميم ، وتغير وجهه وتكدّر المجلس ، وقام وقمنا ، فقال ابن الإسكري فلحقني بعض خدمه وقال لي : ارجع فالأمير يدعوك ، فرجعت فوجدته جالسا ينتظرني ، فسلّمت وقمت بين يديه ، فقال : ويحك أرأيت ما امتحنّا به؟ فقلت : نعم أيها الأمير ، فقال : لا بدّ من الوفاء لها ، وما أثق في هذا بغيرك ، فتأهّب ، لتحملها إلى بغداد ، فإذا غنّت هناك فاصرفها ، فقلت : سمعا وطاعة ، قال : ثم قمت وتأهّبت ، وأمرها بالتأهّب ، وأصحبها جارية له سوداء تعادلها وتخدمها ، وأمر بناقة ومحمل ، فأدخلت فيه ، وجعلها معي ، وصرت إلى مكة مع القافلة ، فقضينا حجنا ثم
__________________
(١) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وفي جذوة المقتبس : الأشكري.
(٢) بالأصل : غير ، والمثبت للإيضاح عن د ، و «ز».
(٣) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وفي الجذوة والبغية والمختصر : قمرا.