أبو جعفر الطبري (١) قال : ذكر أبو حشيشة محمّد بن عليّ بن أميّة بن عمر قال : كنا قدّام أمير المؤمنين بدمشق فغنّى علويّة :
برئت من الإسلام إن كان ذا الذي |
|
أتاك به الواشون عنّي كما قالوا |
ولكنّهم لما رأوك سريعة |
|
إليّ تواصوا بالنميمة واحتالوا |
فقال : يا علويّة ، لمن هذا الشعر؟ فقال : للقاضي ، فقال : أي قاض ويحك؟ قال : قاضي دمشق ، قال : يا أبا إسحاق اعزله ، فقال : قد عزلته ، قال فيحضر الساعة ، فأحضر شيخ مخضوب قصير ، فقال له المأمون : من تكون؟ قال : فلان بن فلان الفلاني ، قال : تقول الشعر؟ قال : كنت أقوله ، فقال : يا علويّة أنشده الشعر ، فأنشده ، فقال : هذا الشعر لك؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، ونساؤه طوالق وكلّ ما يملك في سبيل الله إنّ كان قال شعرا من ثلاثين سنة إلّا في زهد أو معاتبة صديق ، فقال : يا أبا إسحاق اعزله ، فما كنت أولي رقاب المسلمين من يبدأ في هزله بالبراءة من الإسلام ، ثم قال : اسقوه فأتي بقدح فيه شراب ، فأخذه وهو يرتعد ، فقال : يا أمير المؤمنين ما ذقته قط ، قال : فلعلك تريد غيره؟ قال : لم أذق منه شيئا قط ، قال : فحرام هو؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : أولى لك ، بها نجوت ، اخرج ، ثم قال : يا علويّة لا تقل : برئت من الإسلام ، ولكن قل :
حرمت مناي إن كان ذا الذي |
|
[أتاك به الواشون عني كما قالوا] |
قاضي دمشق عمر ـ أو عمرو ـ بن أبي بكر المؤمّلي ، وقد تقدمت هذه الحكاية في ترجمة عمر.
أخبرنا أبو القاسم النسيب ، وأبو الحسن الزاهد ، وأبو منصور المقرئ ، قالوا : قال لنا أبو بكر الخطيب : محمّد بن عليّ بن أبي أمية أبو حشيشة الشاعر ، كان أديبا ، ظريفا ، حسن المعرفة بصنعة الغناء ، خدم غير واحد من الخلفاء والأكابر ، وله أخبار يرويها عنه جعفر بن قدامة ، وميمون بن هارون الكاتب ، وغيرهما.
حدّثنا أبو بكر يحيى بن إبراهيم بن أحمد بن محمّد قال : كتب أبو وحشية رقعة إلى ابن يزداد يستعينه وكان فيها (٢) :
__________________
(١) الخبر في تاريخ الطبري ٨ / ٦٥٦ والخبر والشعر في الأغاني ١١ / ٣٣٩.
(٢) البيتان الأخيران في معجم الشعراء للمرزباني ص ٤٢٧ والوافي بالوفيات ٤ / ١١٢.