حبسه القرآن» أي وجب عليه الخلود. قال : ثم تلا هذه الآية (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً). وعن أبي هريرة أنه عليهالسلام قال : «المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي» فظاهر هذا الكلام تخصيص شفاعته لأمته ، وقد تأوله من حمل ذلك على الشفاعة العظمى التي يحمده بسببها الخلق كلهم على أن المراد لأمته وغيرهم أو يقال إن كل مقام منهما محمود.
الثالث : عن حذيفة : يجمع الله الناس في صعيد فلا تتكلم نفس فأوّل مدعوّ محمد صلىاللهعليهوسلم ، فيقول : لبيك وسعديك والشر ليس إليك» والمهدي من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجأ ولا ملجأ إلا إليك ، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت. قال : فهذا قوله (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
الرابع قال الزمخشري : معنى المقام المحمود المقام الذي يحمده القائم فيه ، وكل من رآه وعرفه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات انتهى. وهذا قول حسن ولذلك نكر (مَقاماً مَحْمُوداً) فلم يتناول مقاما مخصوصا بل كل مقام محمود صدق عليه إطلاق اللفظ.
الخامس : ما قالت فرقة منها مجاهد وقد روي أيضا عن ابن عباس أن المقام المحمود هو أن يجلسه الله معه على العرش. وذكر الطبري في ذلك حديثا وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متّهم ما زال أهل العلم يحدّثون بهذا. قال ابن عطية : يعني من أنكر جوازه على تأويله. وقال أبو عمرو ومجاهد : إن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا والثاني في تأويل (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) قال : تنتظر الثواب ليس من النظر ، وقد يؤوّل قوله معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) (٢) وقوله (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً) (٣) و (إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٤) كل ذلك كناية عن المكانة لا عن المكان.
وقال الواحدي : هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل موحش فظيع لا يصح مثله عن ابن عباس ، ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه.
__________________
(١) سورة القيامة : ٧٥ / ٢٢.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠٦.
(٣) سورة التحريم : ٦٦ / ١١.
(٤) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٦٩.