وقال أبو عبد الله الرازي : الأرواح والنفوس مختلفة بماهيتها فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور ، وبعضها كدرة ظلمانية يظهر فيها من القرآن ضلال ونكال انتهى. وثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه قال : إني مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب ، فمر بنا ناس من اليهود فقال : سلوه عن الروح فقال بعضهم : لا تسألوه فسيفتيكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا : يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته ، فعرفت أنه ينزل عليه فأنزل عليه (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) الآية. وروي أن يهود قالوا لقريش : سلوه عن الروح وعن فتية فقدوا في أول الزمان ، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها فإن أجاب في ذلك كله أو لم يجب في شيء فهو كذاب ، وإن أجاب في بعض ذلك وسكت عن بعض فهو نبي. وفي طرق هذا : إن فسر الثلاثة فهو كذاب وإن سكت عن الروح فهو نبي فنزل في شأن الفتية (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) (١) ونزل في شأن الذي بلغ الشرق والغرب (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) (٢) ونزل في الروح (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) والظاهر من حديث ابن مسعود أن الآية مدنية ومن سؤال قريش أنها مكية ، والروح على قول الجمهور هنا الروح التي في الحيوان وهو اسم جنس وهو الظاهر. وقال قتادة : هو جبريل عليهالسلام قال وكان ابن عباس يكتمه. وقيل : عيسى ابن مريم عليهالسلام وعن عليّ أنه ملك ، وذكر من وصفه ما الله أعلم به ولا يصح عن عليّ.
وقيل : الروح القرآن ويدل عليه الآية قبله والآية بعده. وقيل : خلق عظيم روحاني أعظم من الملك. وقيل : الروح جند من جنود الله لهم أيد وأرجل يأكلون الطعام ذكره العزيزي. وقال أبو صالح خلق كخلق آدم وليسوا بني آدم لهم أيد وأرجل ، ولا ينزل ملك من السماء إلّا ومعه واحد منهم ، والصحيح من هذه الأقوال القول الأول ، والظاهر أنهم سألوا عن ماهيتها وحقيقتها وقيل عن كيفية مداخلتها الجسد الحيواني وانبعاثها فيه وصورة ملابستها له ، وكلاهما مشكل لا يعلمه قبل إلّا الله. وقد رأيت كتابا يترجم بكتاب النفخة والتسوية لبعض الفقهاء المتصوفة يذكر فيها أن الجواب في قوله (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) إنما هو للعوام ، وأما الخواص فهم عنده يعرفون الروح ، وأجمع علماء الإسلام على أن الروح مخلوقة ، وذهب كفرة الفلاسفة وكثير ممن ينتمي إلى الإسلام إلى أنها قديمة
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٩.
(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٣٨.