واختلاف الناس في الروح بلغ إلى سبعين قولا ، وكذلك اختلفوا هل الروح النفس أم شيء غيرها ، ومعنى (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي فعل ربي كونها بأمره ، وفي ذلك دلالة على حدوثها والأمر بمعنى الفعل وارد قال تعالى (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (١) أي فعله ، ويحتمل أن يكون أمرا واحدا الأمور وهو اسم جنس لها أي من جملة أمور الله التي استأثر بعلمها. وقيل : من وحي ربي ، وكلامه ليس من كلام البشر ويتخرج على قول من قال إن الروح هنا القرآن. وقيل : من علم ربي والظاهر أن الخطاب في (وَما أُوتِيتُمْ) هم الذين سألوا عن الروح وهم طائفة من اليهود. وقيل اليهود بجملتهم. وقيل الناس كلهم.
قال ابن عطية : وهذا هو الصحيح لأن قوله (قُلِ الرُّوحُ) إنما هو أمر بالقول لجميع العالم إذ جميع علومهم محصورة وعلمه تعالى لا يتناهى. وقرأ عبد الله بن مسعود والأعمش : وما أوتوا بضمير الغيبة عائدا على السائلين ، ولما ذكر تعالى ما أنعم به من تنزيل القرآن على رسوله صلىاللهعليهوسلم شفاء ورحمة وقدرته على ذلك ، ذكر قدرته على أنه لو شاء لذهب بما أوحى ولكنه تعالى لم يشأ ذلك والمعنى أنّا كما نحن قادرون على إنزاله نحن قادرون على إذهابه. وقال أبو سهل : هذا تهديد لغير الرسول صلىاللهعليهوسلم بإذهاب ما أوتوا ليصدهم عن سؤال ما لم يؤتوا كعلم الروح وعلم الساعة. وروي لا تقوم الساعة حتى يرتفع القرآن والحديث وفي حديث ابن مسعود يسري به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وبما في القلوب ، ثم قرأ عبد الله (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ). وقال صاحب التحرير : ويحتمل عندي في تأويل الآية وجه غير ما ذكر وهو أنه صلىاللهعليهوسلم لما أبطأ عليه الوحي لما سئل عن الروح شق ذلك عليه وبلغ منه الغاية ، فأنزل الله تعالى تهذيبا له هذه الآية. ويكون التقدير أيعز عليك تأخر الوحي فإنّا لو شئنا ذهبنا بما (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) جميعه فسكت النبي صلىاللهعليهوسلم وطاب قلبه ولزم الأدب انتهى. والباء في (لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي) للتعدية كالهمزة وتقدم الكلام على ذلك في قوله (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) (٢) في أوائل سورة البقرة. والكفيل هنا قيل من يحفظ ما أوحينا إليك. وقيل كفيلا بإعادته إلى الصدور. وقيل كفيلا يضمن لك أن يؤتيك ما أخذ منك. وقال الزمخشري : والمعنى إن شئنا ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن الصدور والمصاحف ولم نترك له أثرا وبقيت كما كنت لا تدري ما الكتاب ثم لا تجد لك بهذا الذهاب من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مسطورا (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) إلا أن
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٩٧.
(٢) سورة البقرة : ١٢ / ٢٠.