بفعل مضمر تقديره أنزله أو جعله (قَيِّماً). أما إذا قلنا بأن الجملة المنفية اعتراض فهو جائز ، ويفصل بجمل للإعتراض بين الحال وصاحبها.
وقال العسكري : في الآية تقديم وتأخير كأنه قال : احمدوا الله على إنزال القرآن (قَيِّماً) لا عوج فيه ، ومن عادة البلغاء أن يقدّموا الأهم. وقال أبو عبد الله الرازي : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) يدل على كونه مكملا في ذاته. وقوله قيما يدل على كونه مكملا بغيره ، فثبت بالبرهان العقلي أن الترتيب الصحيح هو الذي ذكره الله ، وأن ما ذكروه من التقديم والتأخير فاسد يمتنع العقل من الذهاب إليه. وقال الكرماني : إذا جعلته حالا وهو الأظهر فليس فيه تقديم ولا تأخير ، والصحيح أنهما حالان من (الْكِتابَ) الأولى جملة والثانية مفرد انتهى. وهذا على مذهب من يجوز وقوع حالين من ذي حال واحد بغير عطف ، وكثير من أصحابنا على منع ذلك انتهى. واختاره الأصبهاني وقال : هما حالان متواليان والتقدير غير جاعل له (عِوَجاً قَيِّماً) وقال صاحب حل العقد : يمكن أن يكون قوله قيما بدلا من قوله (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) أي جعله مستقيما (قَيِّماً) انتهى. ويكون بدل مفرد من جملة كما قالوا في عرفت زيدا أبو من أنه بدل جملة من مفرد وفيه خلاف. وقيل : (قَيِّماً) حال من الهاء المجرورة في (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ) مؤكدة. وقيل : منتقلة ، والظاهر أن الضمير في (لَهُ) عائد على (الْكِتابَ) وعليه التخاريج الإعرابية السابقة. وزعم قوم أن الضمير في (لَهُ) عائد على (عَبْدِهِ) والتقدير (عَلى عَبْدِهِ) وجعله (قَيِّماً). وحفص يسكت على قوله (عِوَجاً) سكتة خفيفة ثم يقول (قَيِّماً). وفي بعض مصاحف الصحابة (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) لكن جعله قيما ويحمل ذلك على تفسير المعنى لا أنها قراءة.
وأنذر يتعدى لمفعولين قال (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) (١) وحذف هنا المفعول الأول وصرح بالمنذر به لأنه هو الغرض المسوق إليه فاقتصر عليه ، ثم صرح بالمنذر في قوله حين كرر الإنذار فقال : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) فحذف المنذر أولا لدلالة الثاني عليه ، وحذف المنذر به لدلالة الأول عليه ، وهذا من بديع الحذف وجليل الفصاحة ، ولما لم يكرر البشارة أتى بالمبشر والمبشر به ، والظاهر أن (لِيُنْذِرَ) متعلقة بأنزل. وقال الحوفي : تتعلق بقيما ، ومفعول لينذر المحذوف قدره ابن عطية (لِيُنْذِرَ) العالم ، وأبو البقاء (لِيُنْذِرَ) العباد أو لينذركم. والزمخشري قدره خاصا قال : وأصله (لِيُنْذِرَ) الذين كفروا (بَأْساً شَدِيداً) ، والبأس من قوله (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) (٢) وقد بؤس العذاب وبؤس
__________________
(١) سورة النبأ : ٧٨ / ٤٠.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٦٥.