الرجل بأسا وبأسة انتهى. وكأنه راعي في تعيين المحذوف مقابله وهو (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ) والبأس الشديد عذاب الآخرة ويحتمل أن يندرج فيه ما يلحقهم من عذاب الدنيا.
ومعنى من (لَدُنْهُ) صادر من عنده. وقرأ أبو بكر بسكون الدال وإشمامها الضم وكسر النون ، وتقدّم الكلام عليها في أول هود. وقرىء (وَيُبَشِّرَ) بالرفع والجمهور بالنصب عطفا على (لِيُنْذِرَ) والأجر الحسن الجنة ، ولما كنى عن الجنة بقوله (أَجْراً حَسَناً) قال : (ماكِثِينَ فِيهِ) أي مقيمين فيه ، فجعله ظرفا لإقامتهم ، ولما كان المكث لا يقتضي التأبيد قال (أَبَداً) وهو ظرف دال على زمن غير متناه ، وانتصب (ماكِثِينَ) على الحال وذو الحال هو الضمير في (لَهُمْ) والذين نسبوا الولد إلى الله تعالى بعض اليهود في عزيز ، وبعض النصارى في المسيح ، وبعض العرب في الملائكة ، والضمير في (بِهِ) الظاهر أنه عائد على الولد الذي ادّعوه. قال المهدوي : فتكون الجملة صفة للولد. قال ابن عطية : وهذا معترض لأنه لا يصفه إلّا القائل وهم ليس قصدهم أن يصفوه ، والصواب عندي أنه نفى مؤتنف أخبر الله تعالى به بجهلهم في ذلك ، ولا موضع للجملة من الإعراب ويحتمل أن يعود على الله تعالى ، وهذا التأويل أذم لهم وأقضى في الجهل التام عليهم وهو قول الطبري انتهى.
قيل : والمعنى (ما لَهُمْ) بالله (مِنْ عِلْمٍ) فينزهوه عما لا يجوز عليه ، ويحتمل أن يعود على القول المفهوم من (قالُوا) أي (ما لَهُمْ).
بقولهم هذا (مِنْ عِلْمٍ) فالجملة في موضع الحال أي (قالُوا) جاهلين من غير فكر ولا روية ولا نظر في ما يجوز ويمتنع. وقيل : يعود على الاتخاذ المفهوم من اتخذه أي (ما لَهُمْ) بحكمة الاتخاذ من علم إذ لا يتخذه إلّا من هو عاجز مقهور يحتاج إلى معين يشد به عضده. وهذا مستحيل على الله.
قال الزمخشري : اتخاذ الله ولدا في نفسه محال ، فكيف قيل (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ)؟ قلت : معناه ما لهم به من علم لأنه ليس مما يعلم لاستحالته ، وانتفاء العلم بالشيء إما للجهل بالطريق الموصل إليه ، وإما لأنه في نفسه محال لا يستقيم تعلق العلم به انتهى.
(وَلا لِآبائِهِمْ) معطوف على (لَهُمْ) وهم من تقدم من أسلافهم الذين ذهبوا إلى هذه المقالة السخيفة ، بل من قال ذلك إنما قاله عن جهل وتقليد. وذكر الآباء لأن تلك المقالة قد أخذوها عنهم وتلقفوها منهم.