وقرأ الجمهور : (كَلِمَةً) بالنصب والظاهر انتصابها على التمييز ، وفاعل (كَبُرَتْ) مضمر يعود على المقالة المفهومة من قوله (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، وفي ذلك معنى التعجب أي ما أكبرها كلمة ، والجملة بعدها صفة لها تفيد استعظام اجترائهم على النطق بها وإخراجها من أفواههم ، فإن كثيرا مما يوسوس به الشيطان في القلوب ويحدث به النفس لا يمكن أن يتفوه به بل يصرف عنه الفكر ، فكيف بمثل هذا المنكر وسميت (كَلِمَةً) كما يسمون القصيدة كلمة. وقال ابن عطية : وهذه المقالة هي قائمة في النفس معنى واحدا فيحسن أن تسمى (كَلِمَةً) وقال أيضا : وقرأ الجمهور بنصب الكلمة كما تقول نعم رجلا زيد ، وفسر بالكلمة ووصفها بالخروج من أفواههم فقال بعضهم : نصبها على التفسير على حد نصب قوله تعالى (وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (١). وقالت فرقة : نصبها على الحال أي (كَبُرَتْ) فريتهم ونحو هذا انتهى. فعلى قوله كما تقول نعم رجلا زيد يكون المخصوص بالذم محذوفا لأنه جعل (تَخْرُجُ) صفة لكلمة ، والتقدير (كَبُرَتْ كَلِمَةً) خارجة (مِنْ أَفْواهِهِمْ) تلك المقالة التي فاهوا بها وهي مقالتهم (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً). والضمير في (كَبُرَتْ) ليس عائدا على ما قبله بل هو مضمر يفسره ما بعده ، وهو التمييز على مذهب البصريين ، ويجوز أن يكون المخصوص بالذم محذوفا وتخرج صفة له أي (كَبُرَتْ كَلِمَةً) كلمة (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ). وقال أبو عبيدة : نصب على التعجب أي أكبر بها (كَلِمَةً) أي من (كَلِمَةً). وقرىء كبرت سكون الباء وهي في لغة تميم. وقرأ الحسن وابن يعمر وابن محيصن والقواس عن ابن كثير بالرفع على الفاعلية والنصب أبلغ في المعنى وأقوى ، و (إِنْ) نافية أي ما (يَقُولُونَ) و (كَذِباً) نعت لمصدر محذوف أي قولا (كَذِباً).
(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) لعل للترجي في المحبوب وللإشفاق في المحذور. وقال العسكري : فيها هنا هي موضوعة موضع النهي يعني أن المعنى لا تبخع نفسك. وقيل : وضعت موضع الاستفهام تقديره هل أنت (باخِعٌ نَفْسَكَ)؟ وقال ابن عطية : تقرير وتوقيف بمعنى الإنكار عليه أي لا تكن كذلك. وقال الزمخشري : شبهه وإياهم حين تولوا عنه ولم يؤمنوا به وما تداخله من الوجد والأسف على توليهم برجل فارقته أحبته وأعزته ، فهو يتساقط حسرات على آثارهم ويبخع نفسه وجدا عليهم وتلهفا على فراقهم انتهى. وتكون لعل
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ١٦.