للإستفهام قول كوفي ، والذي يظهر أنها للإشفاق أشفق أن يبخع الرسول صلىاللهعليهوسلم نفسه لكونهم لم يؤمنوا.
وقوله (عَلى آثارِهِمْ) استعارة فصيحة من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان وإعراض عن الشرع ، فكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا فهو في إدبارهم يحزن عليهم ، ومعنى (عَلى آثارِهِمْ) من بعدهم أي بعد يأسك من إيمانهم أو بعد موتهم على الكفر. ويقال : مات فلان على أثر فلان أي بعده ، وقرىء (باخِعٌ نَفْسَكَ) بالإضافة. وقرأ الجمهور : (باخِعٌ) بالتنوين (نَفْسَكَ) بالنصب. قال الزمخشري : على الأصل يعني إن اسم الفاعل إذا استوفي شروط العلم فالأصل أن يعمل ، وقد أشار إلى ذلك سيبويه في كتابه. وقال الكسائي : العمل والإضافة سواء ، وقد ذهبنا إلى أن الإضافة أحسن من العمل بما قررناه في ما وضعنا في علم النحو. وقرىء : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا) بكسر الميم وفتحها فمن كسر. فقال الزمخشري : هو يعني اسم الفاعل للإستقبال ، ومن فتح فللمضي يعني حالة الإضافة ، أي لأن (لَمْ يُؤْمِنُوا) والإشارة بهذا الحديث إلى القرآن. قال تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً) (١).
و (أَسَفاً) قال مجاهد : جزعا. وقال قتادة : غضبا وعنه أيضا حزنا. وقال السدّي : ندما وتحسرا. وقال الزجاج : الأسف المبالغة في الحزن والغضب. وقال منذر بن سعيد : الأسف هنا الحزن لأنه على من لا يملك ولا هو تحت يد الآسف ، ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه كان غضبا كقوله تعالى (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) (٢) أي أغضبونا. قال ابن عطية : وإذا تأملت هذا في كلام العرب اطرد انتهى. وانتصاب (أَسَفاً) على أنه مفعول من أجله أو على أنه مصدر في موضع الحال ، وارتباط قوله (إِنَّا جَعَلْنا) الآية بما قبلها هو على سبيل التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم لأنه تعالى أخبر أنه خلق ما على الأرض من الزينة للإبتلاء والاختبار أي الناس (أَحْسَنُ عَمَلاً) فليسوا على نمط واحد في الاستقامة واتباع الرسل ، بل لا بد أن يكون فيهم من هو أحسن عملا ومن هو أسوأ عملا ، فلا تغتم وتحزن على من فضلت عليه بأنه يكون أسوأ عملا ومع كونهم يكفرون بي لا أقطع عنهم موادّ هذه النعم التي خلقتها.
و (جَعَلْنا) هنا بمعنى خلقنا ، والظاهر أن ما يراد بها غير العاقل وأنه يراد به العموم فيما لا يعقل. و (زِينَةً) كل شيء بحسبه. وقيل : لا يدخل في ذلك ما كان فيه إيذاء من
__________________
(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٢٣.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ٥٥.