ثم أردف تلك النصيحة بترجيه من الله ، وتوقعه أن يقلب ما به وما بصاحبه من الفقر والغنى. فقال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإحسانه أن يمنحني جنة خيرا من جنتك لإيماني به ، ويزيل عنك نعمته لكفرك به ويخرب بستانك. وقرأ الجمهور : (أَقَلَ) بالنصب مفعولا ثانيا لترني وهي علمية لا بصرية لوقوع (أَنَا) فصلا ، ويجوز أن يكون توكيدا للضمير المنصوب في ترني ، ويجوز أن تكون بصرية و (أَنَا) توكيد للضمير في ترني المنصوب فيكون (أَقَلَ) حالا. وقرأ عيسى بن عمر (أَقَلَ) بالرفع على أن تكون أنا مبتدأ ، و (أَقَلَ) خبره ، والجملة في موضع مفعول ترني الثاني إن كانت علمية ، وفي موضع الحال إن كانت بصرية. ويدل قوله (وَوَلَداً) على أن قول صاحبه (وَأَعَزُّ نَفَراً) (١) عنى به الأولاد إن قابل كثرة المال بالقلة وعزة النفر بقلة الولد.
والحسبان ، قال ابن عباس وقتادة : العذاب. وقال الضحاك : البرد. وقال الكلبي : النار. وقال ابن زيد : القضاء. وقال الأخفش : سهام ترمي في مجرى فقلما تخطىء. وقيل : النبل. وقيل : الصواعق. وقيل : آفة مجتاحة. وقال الزجاج : عذاب حسبان وذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك ، وهذا الترجي إن كان ذلك أن يؤتيه في الدنيا فهي أنكى للكافر وآلم إذ يرى حاله من الغنى قد انتقلت إلى صاحبه ، وإن كان ذلك أن يؤتيه في الآخرة فهو أشرف وأذهب مع الخير والصلاح (فَتُصْبِحَ صَعِيداً) أي أرضا بيضاء لا نبات فيها لا من كرم ولا نخل ولا زرع ، قد اصطلم جميع ذلك فبقيت يبابا قفرا يزلق عليها لإملاسها ، والزلق الذي لا تثبت فيه قدم ذهب غراسه وبناؤه وسلب المنافع حتى منفعة المشي فيه فهو وحل لا ينبت ولا يثبت فيه قدم. وقال الحسن : الزلق الطريق الذي لا نبات فيه. وقيل : الخراب. وقال مجاهد : رملا هائلا. وقيل : الزلق الأرض السبخة وترجّي المؤمن لجنة هذا الكافر آفة علوية من السماء أو آفة سفلية من الأرض ، وهو غور مائها فيتلف كل ما فيها من الشجر والزرع ، وغور مصدر خبر عن اسم أصبح على سبيل المبالغة و (أَوْ يُصْبِحَ) معطوف على قوله (وَيُرْسِلَ) لأن غؤور الماء لا يتسبب على الآفة السماوية إلّا إن عنى بالحسبان القضاء الإلهي ، فحينئذ يتسبب عنه إصباح الجنة (صَعِيداً زَلَقاً) أو إصباح مائها (غَوْراً).
وقرأ الجمهور (غَوْراً) بفتح الغين. وقرأ البرجمي : (غَوْراً) بضم الغين. وقرأت فرقة بضم الغين وهمز الواو يعنون وبواو بعد الهمزة فيكون غؤورا كما جاء في مصدر غارت عينه غؤورا ، والضمير في (لَهُ) عائد على الماء أي لن يقدر على طلبه لكونه ليس مقدورا
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٣٩.