وبين هنا أصله ظرف استعمل اسما بدخول (مِنْ) عليه. وقيل : (مِنْ) زائدة. وقيل البين هنا البعد أي اختلفوا فيه لبعدهم عن الحق. و (مَشْهَدِ) مفعل من الشهود وهو الحضور أو من الشهادة ويكون مصدرا ومكانا وزمانا ، فمن الشهود يجوز أن يكون المعنى من شهود هول الحساب والجزاء في يوم القيامة ، وإن يكون من مكان الشهود فيه وهو الموقف ، وأن يكون من وقت الشهود ومن الشهادة ، يجوز أن يكون المعنى من شهادة ذلك اليوم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر ، وأن يكون من مكان الشهادة ، وأن يكون من وقت الشهادة واليوم العظيم على هذه الاحتمالات يوم القيامة. وعن قتادة : هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف الأحزاب وقيل ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه يوم اختلافهم ، وتقدم الكلام على التعجب الوارد من الله في قوله تعالى (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (١) وأنه لا يوصف بالتعجب.
قال الحسن وقتادة : لئن كانوا صما وبكما عن الحق فما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة ، ولكنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم السمع ولا البصر. وعن ابن عباس أنهم أسمع شيء وأبصره. وقال علي بن عيسى : هو وعيد وتهديد أي سوف يسمعون ما يخلع قلوبهم ، ويبصرون ما يسود وجوههم. وعن أبي العالية : إنه أمر حقيقة للرسول أي (أَسْمِعْ) الناس اليوم وأبصرهم (بِهِمْ) وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب إذا أتوا محشورين مغلولين (لكِنِ الظَّالِمُونَ) عموم يندرج فيه هؤلاء الأحزاب الكفارة وغيرهم من الظالمين ، و (الْيَوْمَ) أي في دار الدنيا. وقال الزمخشري : أوقع الظاهر أعني الظالمين موقع الضمير إشعارا بأن لا ظلم أشد من ظلمهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين يجدي عليهم ويسعدهم ، والمراد بالضلال المبين إغفال النظر والاستماع انتهى.
(وَأَنْذِرْهُمْ) خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم والضمير لجميع الناس. وقيل : يعود على الظالمين. و (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) يوم ذبح الموت وفيه حديث. وعن ابن زيد : يوم القيامة. وقيل : حين يصدر الفريقان إلى الجنة والنار وعن ابن مسعود : حين يرى الكفار مقاعدهم التي فاتتهم من الجنة لو كانوا مؤمنين. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) اسم جنس لأن هذه حسرات كثيرة في مواطن عدة ، ومنها يوم الموت ، ومنها وقت أخذ الكتاب بالشمال وغير ذلك انتهى.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٥.