الجبل. (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) قال الجمهور : تقريب التشريف والكلام واليوم. وقال ابن عباس : أدنى موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام ، وقاله أبو العالية وميسرة. وقال سعيد : أردفه جبريل على السلام. قال الزمخشري : شبهه بمن قربه بعض العظماء للمناجاة حيث كلمه بغير واسطة ملك انتهى. ونجى فعيل من المناجاة بمعنى مناج كالجليس ، وهو المنفرد بالمناجاة وهي المسارة بالقول. وقال قتادة : معنى نجاه صدقه ومن في من رحمتنا للسبب أي من أجل رحمتنا له أو للتبعيض أي بعض رحمتنا.
قال الزمخشري : و (أَخاهُ) على هذا الوجه بدل و (هارُونَ) عطف بيان كقولك رأيت رجلا أخاك زيدا انتهى. والذي يظهر أن أخاه مفعول بقوله (وَوَهَبْنا) ولا ترادف من بعضا فتبدل منها ، وكان هارون أسن من موسى طلب من الله أن يشد أزره بنبوته ومعونته فأجابه و (إِسْماعِيلَ) هو ابن إبراهيم أبو العرب يمنيّها ومضريها وهو قول الجمهور. وقيل : إنه إسماعيل بن حزقيل ، بعثه الله إلى قومه فشجوا جلدة رأسه فخيره الله فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته ، وصدق وعده أنه كانت منه مواعيد لله وللناس فوفي بالجميع ، فلذلك خص بصدق الوعد. قال ابن جريج : لم يعد ربه موعدة إلّا أنجزها ، فمن مواعيده الصبر وتسليم نفسه للذبح ، ووعد رجلا أن يقيم له بمكان فغاب عنه مدة. قيل : سنة. وقيل : اثني عشر يوما فجاءه ، فقال : برحت من مكانك؟ فقال : لا والله ، ما كنت لأخلف موعدي.
(وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ). قال الحسن : قومه وأمته ، وفي مصحف عبد الله وكان يأمر قومه. وقال الزمخشري : كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم ، ولأنهم أولى من سائر الناس (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) و (أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) (٢) (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) (٣) أي ترى أنهم أحق فتصدق عليهم بالإحسان الديني أولى. وقيل : (أَهْلَهُ) أمته كلهم من القرابة وغيرهم ، لأن أمم النبيين في عداد أهاليهم ، وفيه أن حق الصالح أن لا يألو نصحا للأجانب فضلا عن الأقارب والمتصلين ، وأن يخطيهم بالفوائد الدينية ولا يفرط في ذلك انتهى. وقال أيضا ذكر إسماعيل عليهالسلام بصدق الوعد وإن كان موجودا في غيره من الأنبياء تشريفا له وإكراما كالتلقيب نحو الحليم الأواه والصديق ، ولأنه المشهور المتواصف من خصاله.
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٤.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٣٢.
(٣) سورة التحريم : ٦٦ / ٦.