وقرأ الجمهور (مَرْضِيًّا) وهو اسم مفعول أي مرضو وفاعل بقلب واوه ياء لأنها طرف بعد واو ساكنة ، والساكن ليس بحاجز حصين فكأنها وليت حركة ، ولو بنيت من ذوات الواو مفعلا لصار مفعلا لأن الواو لا تكون طرفا وقبلها متحرك في الأسماء المتمكنة غير المتقيدة بالإضافة ، ألا ترى أنهم حين سموا بيغزو الغازي من الضمير قالوا : بغز حين صار اسما ، وهذا الإعلال أرجح من التصحيح ، ولأنه اعتل في رضي وفي رضيان تثنية رضي. وقرأ ابن أبي عبلة : مرضوا مصححا. وقالت العرب : أرض مسنية ومسنوة ، وهي التي تسقى بالسواني.
و (إِدْرِيسَ) هو جد أبي نوح وهو أخنوخ ، وهو أول من نظر في النجوم والحساب ، وجعله الله من معجزاته وأول من خط بالقلم وخاط الثياب ولبس المخيط ، وكان خياطا وكانوا قبل يلبسون الجلود ، وأول مرسل بعد آدم وأول من اتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل. وقال ابن مسعود : هو إلياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلّا الله ويعملوا ما شاؤوا فأبوا وأهلكوا. و (إِدْرِيسَ) اسم أعجمي منع من الصرف للعلمية والعجمة ، ولا جائز أن يكون إفعيلا من الدرس كما قال بعضهم لأنه كان يجب صرفه إذ ليس فيه إلّا واحد وهو العلمية.
قال الزمخشري : ويجوز أن يكون معنى (إِدْرِيسَ) في تلك اللغة قريبا من ذلك أي من معنى الدرس ، فحسبه القائل مشتقا من الدرس. والمكان العلي شرف النبوة والزلفى عند الله ، وقد أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة انتهى. وقاله جماعة وهو رفع النبوة والتشريف والمنزلة في السماء كسائر الأنبياء. وقيل : بل رفع إلى السماء. قال ابن عباس : كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة ، فلقي هنالك ملك الموت فقال له : إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح إدريس وإني لأعجب كيف يكون هذا ، فقال له الملك الصاعد : هذا إدريس معي فقبض روحه. وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس. وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة وأنس يقتضي أنه في السماء الرابعة. وعن الحسن : إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة. وقال قتادة : يعبد الله مع الملائكة في السماء السابعة ، وتارة يرفع في الجنة حيث شاء. وقال مقاتل : هو ميت في السماء.
(أُولئِكَ) إشارة إلى من تقدم ذكره في هذه السورة من الأنبياء و (مِنَ) في (مِنَ