الإطلاق. كقوله : فلست لأنسى البيت لأنه مطاوع نزّل ونزّل يكون بمعنى أنزل وبمعنى التدريج واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل ، والمراد أن نزولنا في الأحايين وقتا غبّ وقت انتهى.
وقال ابن عطية : وهذه الواو التي في قوله (وَما نَتَنَزَّلُ) هي عاطفة جملة كلام على أخرى واصلة بين القولين ، وإن لم يكن معناهما واحدا. وحكى النقاش عن قوم أن قوله و (ما نَتَنَزَّلُ) متصل بقوله (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) (١) وهذا قول ضعيف انتهى.
والذي يظهر في مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة زكريا ومريم وذكر إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ثم ذكر أنهم أنعم تعالى عليهم وقال (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) (٢) وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذرية إبراهيم ، وذكر تعالى أنه خلف بعد هؤلاء خلف وهم اليهود والنصارى أصحاب الكتب لأن غيرهم لا يقال فيهم أضاعوا الصلاة إنما يقال ذلك فيمن كانت له شريعة فرض عليهم فيها الصلاة بوحي من الله تعالى ، وكان اليهود هم سبب سؤال قريش للنبيّ صلىاللهعليهوسلم تلك المسائل الثلاث ، وأبطأ الوحي عنه ففرحت بذلك قريش واليهود وكان ذلك من اتباع شهواتهم ، هذا وهم عالمون بنبوّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (وَما نَتَنَزَّلُ) تنبيها على قصة قريش واليهود ، وأن أصل تلك القصة إنما حدثت من أولئك الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وختما لقصص أولئك المنعم عليهم لمخاطبة أشرفهم محمد صلىاللهعليهوسلم واستعذارا من جبريل عليهالسلام للرسول بأن ذلك الإبطاء لم يكن منه إذ لا يتنزل إلّا بأمر الله تعالى ، ولما كان إبطاء الوحي سببه قصة السؤال وكونه صلىاللهعليهوسلم لم يقرن أن يجيبهم بالمشيئة ، وكان السؤال متسببا عن اتباع اليهود شهواتهم وخفيات خبثهم اكتفى بذكر النتيجة المتأخرة عن ذكر ما آثرته شهواتهم الدنيوية وخبثهم.
قال أبو العالية : ما بين الأيدي الدنيا بأسرها إلى النفخة الأولى ، وما خلف ذلك الآخرة من وقت البعث ، وما بين ذلك ما بين النفختين. قال ابن عطية : وقول أبي العالية إنما يتصور في بني آدم ، وهذه المقالة هي للملائكة فتأمله. وقال ابن جريج : ما بين الأيدي هو ما مر من الزمان قبل الإيجاد ، وما خلف هو ما بعد موتهم إلى استمرار الآخرة ، وما بين ذلك هو مدة الحياة. وفي كتاب التحرير والتحبير (ما بَيْنَ أَيْدِينا) الآخرة (وَما خَلْفَنا)
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ١٩.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٥٨.