أحدهما : أن ظاهر التنزيل نزول الملائكة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولقوله (بِأَمْرِ رَبِّكَ) فظاهر الأمر بحال التكليف أليق.
وثانيها : خطاب من جماعة لواحد ، وذلك لا يليق بمخاطبة بعضهم لبعض في الجنة.
وثالثها : أن ما في مساقه (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) لا يليق بحال التكليف ولا يوصف به الرسول انتهى.
وقرأ الجمهور (وَما نَتَنَزَّلُ) بالنون عنى جبريل نفسه والملائكة. وقرأ الأعرج بالياء على أنه خبر من الله. قيل : والضمير في يتنزل عائد على جبريل عليهالسلام. قال ابن عطية : ويردّه له (ما بَيْنَ أَيْدِينا) لأنه لا يطرد معه وإنما يتجه أن يكون خبرا عن جبريل أن القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل ، والضمير للوحي انتهى. ويحمل ذلك القول على إضمار أي وما يتنزل جبريل إلّا بأمر ربك قائلا له (ما بَيْنَ أَيْدِينا) أي يقول ذلك على سبيل الاستعذار في البطء عنك بأن ربك متصرف فينا ليس لنا أن نتصرف إلّا بمشيئته ، وإخبار أنه تعالى ليس بناسيك وإن تأخر عنك الوحي.
وارتفع (رَبُّ السَّماواتِ) على البدل أو على خبر مبتدإ محذوف. وقرأ الجمهور (هَلْ تَعْلَمُ) بإظهار اللام عند التاء. وقرأ الأخوان وهشام وعليّ بن نصر وهارون كلاهما عن أبي عمرو والحسن والأعمش وعيسى وابن محيصن بالإدغام فيهما. قال أبو عبيدة : هما لغتان وعلى الإدغام أنشدوا بيت مزاحم العقيلي :
فذر ذا ولكن هل تعين متيما |
|
على ضوء برق آخر الليل ناصب |
وعدي فاصطبر باللام على سبيل التضمين أي اثبت بالصبر لعبادته لأن العبادة تورد شدائد ، فاثبت لها وأصله التعدية بعلى كقوله تعالى (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) (١) والسّميّ من توافق في الاسم تقول : هذا سميك أي اسمه مثل اسمك ، فالمعنى أنه لم يسم بلفظ الله شيء قط ، وكان المشركون يسمون أصنامهم آلهة والعزّى إله وأما لفظ الله فلم يطلقوه على شيء من أصنامهم. وعن ابن عباس : لا يسمى أحد الرحمن غيره. وقيل : يحتمل أن يعود ذلك على قوله (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي هل تعلم من يسمى أو يوصف بهذا
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ١٣٢.