قال وهب : ولد له ابن في الطريق ولما صلد زنده (رَأى ناراً). والظاهر أن (إِذْ) ظرف للحديث لأنه حدث. وأجاز الزمخشري أن تكون ظرفا لمضمر أي (ناراً) كان كيت وكيت ، وأن تكون مفعولا لأذكر (امْكُثُوا) أي أقيموا في مكانكم ، وخاطب امرأته وولديه والخادم. وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية (لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) بضم الهاء وكذا في القصص والجمهور بكسرها (إِنِّي آنَسْتُ) أي أحسست ، والنار على بعد لا تحس إلّا بالبصر فلذلك فسره بعضهم برأيت ، والإيناس أعم من الرؤية لأنك تقول (آنَسْتُ) من فلان خيرا. وقال الزمخشري : الإيناس الإبصار البيّن الذي لا شبهة فيه ، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء والإنس لظهورهم كما قيل الجن لاستتارهم. وقيل : هو إبصار ما يؤنس به لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعا متيقنا حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم. ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع ، وقال : لعل ولم يقطع فيقول إني آتيكم لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به انتهى. والظاهر أنه رأى نورا حقيقة.
وقال الماوردي : كانت عند موسى (ناراً) وكانت عند الله نورا. قيل : وخيّل له أنه نار. قيل : ولا يجوز هذا لأن الإخبار بغير المطابق لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ولفظة على هاهنا على بابها من الاستعلاء ، ومعناه أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها ، أو لأن المصطلين بها والمستمتعين إذا تكنفوها قياما وقعودا كانوا مشرفين عليها ومنه قول الأعشى :
ويأت على النار الندى والمحلق
وقال ابن الأنباري : على بمعنى عند وبمعنى مع وبمعنى الباء ، وذكر الزجّاج أنه ضل عن الماء فترجى أن يلقى من يهديه الطريق أو يدله على الماء ، وانتصب (هُدىً) على أنه مفعول به على تقدير محذوف أي ذا (هُدىً) أو على تقدير حذف لأنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى هدى الطريق. وقيل : (هُدىً) في الدين قاله مجاهد وقتادة وهو بعيد ، وهو وإن كان طلب من يهديه الطريق فقد وجد الهدى على الإطلاق.
والضمير في (أَتاها) عائد على النار أتاها فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة عناب قاله ابن عباس. وقيل : سمرة قاله عبد الله. وقيل : عوسج قاله وهب. وقيل : عليقة عن قتادة ومقاتل والكلبي وكان كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر اتبعته ، فأيقن أن هذا أمر