من أمور الله الخارقة للعادة ، ووقف متحيرا وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة و (نُودِيَ) وهو تكليم الله إياه. وقرأ الجمهور : (إِنِّي) بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين ، وعلى معاملة النداء معاملة القول لأنه ضرب منه على مذهب الكوفيين. و (أَنَا) مبتدأ أو فصل أو توكيد لضمير النصب ، وفي هذه الأعاريب حصل التركيب لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. وقرأ ابن كثير وأبو عمر : وأني بفتح الهمزة والظاهر أن التقدير بأني (أَنَا رَبُّكَ). وقال ابن عطية : على معنى لأجل (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) و (نُودِيَ) قد توصل بحرف الجر وأنشد أبو عليّ :
ناديت باسم ربيعة بن مكدم |
|
إن المنوّه باسمه الموثوق |
انتهى. وعلمه بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقا منه تعالى فيه أو بالاستدلال بالمعجزة ، وعند المعتزلة لا يكون ذلك إلّا بالمعجز فمنهم من عينه ومنهم من قال : لا يلزم أن يعرف ما ذلك المعجز قالوا : ولا يجوز أن يكون ذلك بالعلم الضروري لأنه ينافي التكليف ، والظاهر أن أمره تعالى إياه بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما يخلع عند الملوك غاية في التواضع. وقيل : كانتا من جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما. وفي الترمذي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبّة صوف وكمة صوف وسراويل صوف ، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت». قال : هذا حديث غريب ، والكمة القلنسوة الصغيرة وكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ قول عكرمة وقتادة والسدّي ومقاتل والكلبي والضحاك. وقيل : كانتا من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما لبيان بركة الوادي المقدس ، وتمس قدماه تربته وروى أنه خلق نعليه وألقاهما من وراء الوادي. و (الْمُقَدَّسِ) المطهر و (طُوىً) اسم علم عليه فيكون بدلا أو عطف بيان.
وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيصن بكسر الطاء منونا. وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منونا. وقرأ الحرميان وأبو عمرو بضمها غير منون. وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون. وقرأ عيسى بن عمر والضحاك طاوى أذهب فمن نون فعلى تأويل المكان ، ومن لم ينون وضم الطاء فيحتمل أن يكون معدولا عن فعل نحو زفر وقثم ، أو أعجميا أو على معنى البقعة ، ومن كسر ولم ينون فمنع الصرف باعتبار البقعة. وقال الحسن : (طُوىً) بكسر الطاء والتنوين مصدر ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين فهو بوزن الثناء وبمعناه وذلك لأن الثنا بالكسر والقصر الشيء الذي تكرره ، فكذلك الطوى على هذه القراءة. وقال قطرب (طُوىً) من الليل أي ساعة أي قدس لك