إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي).
لما أمره تعالى بالذهاب إلى فرعون عرف أنه كلف أمرا عظيما يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلّا ذو جأش رابط وصدر فسيح ، فسأل ربه ورغب في أن يشرح صدره ليحتمل ما يرد عليه من الشدائد التي يضيق لها الصدر ، وأن يسهل عليه أمره للذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة جلائل الخطوب ، وقد علم ما عليه فرعون من الجبروت والتمرد والتسلط. وقال ابن جريج : معناه وسع لي صدري لأعي عنك ما تودعه من وحيك. وقال الكرماني وسع قلبي ولينه لفهم خطابك وأداء رسالتك. والقيام بما كلفتنيه من أعبائها ، والعقدة استعارة لثقل كان في لسانه خلقة.
وقال مجاهد : كانت من الجمرة التي أدخلها فاه وكانت آسية قد ألقى الله محبته في قلبها وسألت فرعون أن لا يذبحه ، فبينا هي ترقصه يوما أخذه فرعون في حجره فأخذ خصلة من لحيته. وقيل : لطمه. وقيل : ضربه بقضيب كان في يده فغضب فرعون فدعا بالسياف فقالت : إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر. فاحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليهالسلام يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فاحترق لسانه انتهى. وإحراق النار وتأثيرها في لسانه لا في يده دليل على فساد قول القائلين بالطبيعة. وعن ابن عباس كانت في لسانه رتة. وقيل : حدثت العقدة بعد المناجاة حتى لا يكلم أحدا بعدها. وقال قطرب : كانت فيه مسكة عن الكلام. وقال ابن عيسى : العقدة كالتمتمة والفأفأة. وطلب موسى من حل العقدة قدر ما يفقه قوله ، قيل : وبقي بعضها لقوله وأخي هارون هو أفصح مني لسان وقوله ولا يكاد يبين. وقيل : زالت لقوله (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) وهو قول الحسن ، قيل : وهو ضعيف لأنه لم يقل واحلل العقدة بل قال (عُقْدَةً) فإذا حل عقدة فقد آتاه الله سؤله. وقيل في قوله ولا يكاد يبين أن معناه لا يأتي ببيان وحجة ، وإنما قال ذلك فرعون تمويها وقد خاطبه وقومه وكانوا يفهمون عنه فكيف يمكن نفي البيان أو مقاربته؟.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لي في قوله (اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) ما جدواه والكلام بدون مستتب؟ قلت : قد أبهم الكلام أولا فقال (اشْرَحْ لِي وَيَسِّرْ لِي)