الألفاظ إلّا أمر بالاقتصار على عبادة الله ، فذلك هو المقضي لا نفس العبادة ، والمقتضي هنا هو الأمر انتهى. كأنه رام أن يترك قضى على مشهور موضوعها بمعنى قدر ، فجعل متعلقه الأمر بالعبادة لا العبادة لأنه لا يستقيم أن يقضي شيئا بمعنى أن يقدر إلّا ويقع ، والذي فهم المفسرون غيره أن متعلق قضى هو (أَلَّا تَعْبُدُوا) وسواء كانت أن تفسيرية أم مصدرية. وقال أبو البقاء : ويجوز أن تكون في موضع نصب أي ألزم ربك عبادته ولا زائدة انتهى. وهذا وهم لدخول ألا على مفعول (تَعْبُدُوا) فلزم أن يكون منفيا أو منهيا والخطاب بقوله لا تعبدوا عامّ للخلق. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون (قَضى) على مشهورها في الكلام ويكون الضمير في (تَعْبُدُوا) للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة انتهى.
قال الحوفي : الباء متعلقة بقضى ، ويجوز أن تكون متعلقة بفعل محذوف تقديره وأوصى (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) و (إِحْساناً) مصدر أي تحسنوا إحسانا. وقال ابن عطية : قوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) عطف على أن الأولى أي أمر الله (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) وأن تحسنوا (بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرناه يكون قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) مقطوعا من الأول كأنه أخبرهم بقضاء الله ، ثم أمرهم بالإحسان إلى الوالدين.
وقال الزمخشري : لا يجوز أن تتعلق الباء في (بِالْوالِدَيْنِ) بالإحسان لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته. وقال الواحدي في البسيط : الباء في قوله (بِالْوالِدَيْنِ) من صلة الإحسان ، وقدمت عليه كما تقول : بزيد فامرر ، انتهى. وأحسن وأساء يتعدى بإلى وبالباء قال تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) (١) وقال الشاعر :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
وكأنه تضمن أحسن معنى لطف ، فعدّي بالباء و (إِحْساناً) إن كان مصدرا ينحل لأن والفعل فلا يجوز تقديم متعلقه به ، وإن كان بمعنى أحسنوا فيكون بدلا من اللفظ بالفعل نحو ضربا زيدا ، فيجوز تقديم معموله عليه ، والذي نختاره أن تكون أن حرف تفسير ولا (تَعْبُدُوا) نهي و (إِحْساناً) مصدر بمعنى الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما عطف في :
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٠٠.