يقولون لا تهلك أسى وتجمل
وقد اعتنى بالأمر بالإحسان إلى الوالدين حيث قرن بقوله : لا (تَعْبُدُوا) وتقديمهما اعتناء بهما على قوله : (إِحْساناً) ومناسبة اقتران برّ الوالدين بإفراد الله بالعبادة من حيث إنه تعالى هو الموجد حقيقة ، والوالدان وساطة في إنشائه ، وهو تعالى المنعم بإيجاده ورزقه ، وهما ساعيان في مصالحه. وقال الزمخشري : (إِمَّا) هي الشرطية زيدت عليها ما توكيدا لها ، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ، ولو أفردت لم يصح دخولها لا تقول أن تكرمنّ زيدا يكرمك ، ولكن إما تكرمنّه انتهى. وهذا الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه لأن مذهبه أنه يجوز أن يجمع بين إما ونون التوكيد ، وأن يأتي بأن وحدها ونون التوكيد ، وأن يأتي بإما وحدها دون نون التوكيد. وقال سيبويه في هذه المسألة : وإن شئت لم تقحم النون كما أنك إن شئت لم تجىء بما يعني مع النون وعدمها ، وعندك ظرف معمول ليبلغن ، ومعنى العندية هنا أنهما يكونان عنده في بيته وفي كنفه لا كافل لهما غيره لكبرهما وعجزهما ، ولكونهما كلا عليه وأحدهما فاعل (يَبْلُغَنَ) و (أَوْ كِلاهُما) معطوف على (أَحَدُهُما).
وقرأ الجمهور (يَبْلُغَنَ) بنون التوكيد الشديدة والفعل مسند إلى (أَحَدُهُما). وروي عن ابن ذكوان بالنون الخفيفة. وقرأ الإخوان : إما يبلغان بألف التثنية ونون التوكيد المشدّدة وهي قراءة السلمي وابن وثاب وطلحة والأعمش والجحدري. فقيل الألف علامة تثنية لا ضمير على لغة أكلوني البراغيث ، وأحدهما فاعل و (أَوْ كِلاهُما) عطف عليه ، وهذا لا يجوز لأن شرط الفاعل في الفعل الذي لحقته علامة التثنية أن يكون مسند المثنى أو معرف بالعطف بالواو ، ونحو قاما أخواك أو قاما زيد وعمرو على خلاف في هذا الأخير هل يجوز أو لا يجوز ، والصحيح جوازه و (أَحَدُهُما) ليس مثنى ولا هو معرف بالعطف بالواو مع مفرد. وقيل : الألف ضمير الوالدين و (أَحَدُهُما) بدل من الضمير و (كِلاهُما) عطف على (أَحَدُهُما) والمعطوف على البدل بدل. وقال الزمخشري. فإن قلت : لو قيل إما يبلغان (كِلاهُما) كان (كِلاهُما) توكيدا لا بدلا ، فما لك زعمت أنه بدل؟ قلت : لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا للاثنين فانتظم في حكمه فوجب أن يكون مثله. فإن قلت : ما ضرك لو جعلته توكيدا مع كون المعطوف عليه بدلا وعطفت التوكيد على البدل؟ قلت : لو أريد توكيد التثنية لقيل (كِلاهُما) فحسب فلما قيل (أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) علم أن التوكيد غير مراد فكان بدلا مثل الأول. وقال ابن عطية : وعلى هذه