ولما ذكر موسى دلالته على ربوبية الله تعالى وتم كلامه عند قوله (وَلا يَنْسى) (١) ذكر تعالى ما نبه به على قدرته تعالى ووحدانيته ، فأخبر عن نفسه بأنه تعالى هو الذي صنع كيت وكيت ، وإنما ذهبنا إلى أن هذا هو من كلام الله تعالى لقوله تعالى (فَأَخْرَجْنا) وقوله (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) وقوله (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) فيكون قوله (فَأَخْرَجْنا) و (أَرَيْناهُ) التفاتا من الضمير الغائب في (جَعَلَ) وسلك إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه ، ولا يكون الالتفات من قائلين وأبعد من ذهب إلى أن الذي نعت لقوله (رَبِّي) فيكون في موضع رفع أو يكون في موضع نصب على المدح وقالهما الحوفي والزمخشري لكونه كان يكون كلام موسى فلا يتأتى الالتفات في قوله (فَأَخْرَجْنا وَلَقَدْ أَرَيْناهُ).
وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون (فَأَخْرَجْنا) من كلام موسى حكاية عن الله تعالى على تقدير يقول عزوجل (فَأَخْرَجْنا) ويحتمل أن يكون كلام موسى تم عند قوله (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ثم وصل الله كلام موسى بإخباره لمحمد صلىاللهعليهوسلم والمراد بالخطاب في لكم الخلق أجمع نبههم على هذه الآيات. وقرأ الأعمش وطلحة وابن أبي ليلى وعاصم وحمزة والكسائي (مَهْداً) بفتح الميم وإسكان الهاء ، وباقي السبعة مهادا وكذا في الزخرف فقال المفضل : مصدران مهد مهدا ومهادا. وقال أبو عبيد : مهاد اسم ، ومهد الفعل يعني المصدر. وقال آخر (مَهْداً) مفرد ومهاد جمعه ، ومعنى ذلك أنه تعالى جعلها لهم يتصرفون عليها في جميع أحوالهم ومنافعهم ، ونهج لكم فيها طرقا لمقاصدكم حتى لا تتعذر عليكم مصالحكم. والضمير في (بِهِ) عائد على الماء أي بسببه.
(أَزْواجاً) أي أصنافا وهذا الالتفات في أخرجنا كهو في قوله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا) (٢) (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا) (٣) (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) (٤) وفي هذا الالتفات تخصيص أيضا بأنا نحن نقدر على مثل هذا ، ولا يدخل تحت قدرة أحد والأجود أن يكون (شَتَّى) في موضع نصب نعتا لقوله (أَزْواجاً) لأنها المحدث عنها.
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون صفة للنبات ، والنبات مصدر سمّي به النابت كما سمّي بالنبت فاستوى فيه الواحد والجمع ، يعني أنها (شَتَّى) مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل ، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم.
__________________
(١) سورة طه : ٣٢ / ٥٢.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٢٥.
(٣) سورة النمل : ٢٧ / ٦٠.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٩٩.