بفتح الهمز والثاء و (عَلى أَثَرِي) يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر ، أو في موضع نصب على الحال.
قال : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) أي اختبرناهم بما فعل السامري أو ألقيناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف (مِنْ بَعْدِكَ) أي من بعد فراقك لهم. وقال الزمخشري : أراد بالقوم المفتونين الذين خلفهم مع هارون ، وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل إلّا اثنا عشر ألفا فإن قلت : في القصة أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة وحسبوا أربعين مع أيامها ، وقالوا قد أكملنا العدة ثم كان أمر العجل بعد ذلك ، فكيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى لموسى عند مقدمه (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ)؟ قلت : قد أخبر الله تعالى عن الفتنة المترقبة بلفظ الموجودة الكائنة على عادته ، وافترض السامري غيبته فعزم على إضلالهم غب انطلاقه. وأخذ في تدبير ذلك فكان بدء الفتنة موجودا انتهى.
وقرأ الجمهور : (وَأَضَلَّهُمُ) فعلا ماضيا. وقرأ أبو معاذ وفرقة وأضلهم برفع اللام مبتدأ والسامري خبره وكان أشدهم ضلالا لأنه ضال في نفسه مصل غيره. وفي القراءة الشهري أسند الضلال إلى السامري لأنه كان السبب في ضلالهم ، وأسند الفتنة إليه تعالى لأنه هو الذي خلقها في قلوبهم. و (السَّامِرِيُ) قيل اسمه موسى بن ظفر. وقيل : منجا وهو ابن خالة موسى أو ابن عمه أو عظيم من بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة ، أو علج من كرمان ، أو من باجرما أو من اليهود أو من القبط آمن بموسى وخرج معه ، وكان جاره أو من عبّاد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر أقوال. وتقدم في الأعراف كيفية اتخاذ العجل وقبل ذلك في البقرة فأغنى عن إعادته هنا.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) وذلك بعد ما استوفى الأربعين وانتصب (غَضْبانَ أَسِفاً) على الحال ، والأسف أشد الغضب. وقيل : الحزن وغضبه من حيث له قدرة على تغيير منكرهم ، وأسفه وهو حزنه من حيث علم أنه موضع عقوبة لا يد له بدفعها ولا بد منها. قال ابن عطية : والأسف في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب ، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن ، وتأمل ذلك فهو مطرد ، ثم أخذ موسى عليهالسلام يوبخهم على إضلالهم والوعد الحسن ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله أهل طاعته. وقال الزمخشري : وعدهم الله بعد ما استوفى الأربعين أن يعطيهم التوراة التي فيها