لأنه مصدر موصول ولا يتقدم معموله عليه ، وأيضا فالتوكيد يكون متأخرا عن المؤكد وأيضا فلو أخر في هذا التركيب لم يصح. وأما تشبيهه بما أورد سيبويه فالفرق واضح لأن عليك معمول لحريص ، وعليك الثانية متأخرة توكيدا وكذلك فيك زيد راغب فيك يتعلق فيك براغب ، وفيك الثانية توكيد ، وإنما غره في ذلك صحة تركيب حساب الناس. وكذلك أزف رحيل الحي فاعتقد إذا تقدّم الظاهر مجرورا باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب فيك زيد راغب فيك وليس مثله ، وأمّا لا أبالك فهي مسألة مشكلة وفيها خلاف ، ويمكن أن يقال فيها ذلك لأن اللام جاورت الإضافة ولا يقاس على مثلها غيرها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة ، وقد أمعنّا الكلام عليها في شرح التسهيل والواو في (وَهُمْ) واو الحال.
وأخبر عنهم بخبرين ظاهرهما التنافي لأن الغفلة عن الشيء والإعراض عنه متنافيان ، لكن يجمع بينهما باختلاف حالين أخبر عنهم أولا أنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما يؤول إليه أمرهم. ثم أخبر عنهم ثانيا أنهم إذا نبهوا من سنة الغفلة وذكروا بما يؤول إليه أمر المحسن والمسيء أعرضوا عنه ولم يبالوا بذلك ، والذكر هنا ما ينزل من القرآن شيئا بعد شيء. وقيل المراد بالذكر أقوال النبي صلىاللهعليهوسلم في أمر الشريعة ووعظه وتذكيره ووصفه بالحدوث إذا كان القرآن لنزوله وقتا بعد وقت. وسئل بعض الصحابة عن هذه الآية فقال محدث النزول محدث المقول. وقال الحسن بن الفضل : المراد بالذكر هنا النبيّ صلىاللهعليهوسلم بدليل (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وقال : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً) (١) وقد احتجت المعتزلة على حدوث القرآن بقوله (مُحْدَثٍ) وهي مسألة يبحث فيها في علم الكلام. وقرأ الجمهور (مُحْدَثٍ) بالجر صفة لذكر على اللفظ ، وابن أبي عبلة بالرفع صفة لذكر على الموضع ، وزيد بن عليّ بالنصب على الحال (مِنْ ذِكْرٍ) إذ قد وصف بقوله (مِنْ رَبِّهِمْ) ويجوز أن يتعلق (مِنْ رَبِّهِمْ) بيأتيهم. و (اسْتَمَعُوهُ) جملة حالية وذو الحال المفعول في (ما يَأْتِيهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) جملة حالية من ضمير (اسْتَمَعُوهُ) و (لاهِيَةً) حال من ضمير (يَلْعَبُونَ) أو من ضمير (اسْتَمَعُوهُ) فيكون حالا بعد حال ، واللاهية من قول العرب لهى عنه إذا ذهل وغفل يلهى لهيا ولهيانا ، أي وإن فطنوا لا يجدي ذلك لاستيلاء الغفلة والذهول وعدم التبصر بقلوبهم. وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى (لاهِيَةً) بالرفع على أنه خبر بعد خبر لقوله (وَهُمْ).
__________________
(١) سورة الطلاق : ٦٥ / ١٠.