على الإحياء والإماتة. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم ، وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى لأنهم مع إقرارهم بأن الله خالق السموات والأرض وبأنه قادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى منكرين للبعث ، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة؟ قلت : الأمر كما ذكرت ولكنهم بادعائهم الإلهية يلزمهم أن يدعوا لها الإنشاء لأنه لا يستحق هذا الاسم إلّا القادر على كل مقدور ، والإنشاء من جملة المقدورات وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل ، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة ونحو قوله (مِنَ الْأَرْضِ) قولك : فلان من مكة أو من المدينة ، تريد مكي أو مدني ، ومعنى نسبتها إلى الأرض الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض لا أن الآلهة أرضية وسماوية ، من ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أين ربك؟» فأشارت إلى السماء فقال : «إنها مؤمنة» لأنه فهم منها أن مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام لا إثبات السماء مكانا لله تعالى. ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض.
فإن قلت : لا بد من نكتة في قوله (هُمْ) قلت : النكتة فيه إفادة معنى الخصوصية كأنه قيل (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً) لا تقدر على الإنشاء إلا هم وحدهم انتهى.
و (اتَّخَذُوا) هنا يحتمل أن يكون المعنى فيها صنعوا وصوروا ، و (مِنَ الْأَرْضِ) متعلق باتخذوا ، ويحتمل أن يكون المعنى جعلوا الآلهة أصناما من الأرض كقوله (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) (١) وقوله (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (٢) وفيه معنى الاصطفاء والاختيار. وقرأ الجمهور : (يُنْشِرُونَ) مضارع أنشر ومعناه يحيون. وقال قطرب : معناه يخلقون كقوله (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (٣). وقرأ الحسن ومجاهد (يُنْشِرُونَ) مضارع نشر ، وهما لغتان نشر وانشر متعديان ، ونشر يأتي لازما تقول : أنشر الله الموتى فنشروا أي فحيوا ، والضمير في (فِيهِما) عائد على السماء والأرض وهما كناية عن العالم. و (إِلَّا) صفة لآلهة أي آلهة غير (اللهُ) وكون (إِلَّا) يوصف بها معهود في لسان العرب ومن ذلك ما أنشد سيبويه رحمهالله :
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٧٤.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٢٥.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ١٧.