إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ألا ترى أنك لو قلت : ما جاءني قومك إلّا زيد على البدل لكان المعنى جاءني زيد وحده. وقيل : يمتنع البدل لأن ما قبله إيجاب ولا يجوز النصب على الاستثناء لوجهين ، أحدهما أنه فاسد في المعنى وذلك أنك إذا قلت : لو جاءني القوم إلّا زيدا لقتلتهم كان معناه أن القتل امتنع لكون زيد مع القوم ، فلو نصب في الآية لكان المعنى فساد السموات والأرض امتنع لوجود الله مع الآلهة ، وفي ذلك إثبات الإله مع الله ، وإذا رفعت على الوصف لا يلزم مثل ذلك لأن المعنى (لَوْ كانَ فِيهِما) غير (اللهُ لَفَسَدَتا). والوجه الثاني أن (آلِهَةٌ) هنا نكرة ، والجمع إذا كان نكرة لم يستثن منه عند جماعة من المحققين لأنه لا عموم له بحيث يدخل فيه المستثنى لولا الاستثناء انتهى. وأجاز أبو العباس المبرد في (إِلَّا اللهُ) أن يكون بدلا لأن ما بعد لو غير موجب في المعنى ، والبدل في غير الواجب أحسن من الوصف. وقد أمعنّا الكلام على هذه المسألة في شرح التسهيل. وقال الأستاذ أبو عليّ الشلوبين في مسألة سيبويه : لو كان معنا رجل إلّا زيد لغلبنا أن المعنى لو كان معنا رجل مكان زيد لغلبنا فإلّا بمعنى غير التي بمعنى مكان. وقال شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الصائغ : لا يصح المعنى عندي إلّا أن تكون (إِلَّا) في معنى غير الذي يراد بها البدل أي (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ) عوض واحد أي بدل الواحد الذي هو (اللهُ لَفَسَدَتا) وهذا المعنى أراد سيبويه في المسألة التي جاء بها توطئة انتهى.
ولما أقام البرهان على وحدانيته وانفراده بالألوهية نزه نفسه عما وصفه به أهل الجهل بقوله (فَسُبْحانَ اللهِ) ثم وصف نفسه بأنه مالك هذا المخلوق العظيم الذي جميع العالم هو متضمنهم ثم وصف نفسه بكمال القدرة ونهاية الحكم فقال (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء ، وفعله على أقصى درجات الحكمة فلا اعتراض ولا تعقب عليه ، ولما كانت عادة الملوك أنهم لا يسألون عما يصدر من أفعالهم مع إمكان الخطأ فيها ، كان ملك الملوك أحق بأن لا يسأل هذا مع علمنا أنه لا يصدر عنه إلّا ما اقتضته الحكمة العارية عن الخلل والتعقب ، وجاء (عَمَّا يَفْعَلُ) إذ الفعل جامع لصفات الأفعال مندرج تحته كل ما يصدر عنه من خلق ورزق ونفع وضر وغير ذلك ، والظاهر في قوله (لا يُسْئَلُ) العموم في الأزمان. وقال الزجّاج : أي في القيامة (لا يُسْئَلُ) عن حكمه في عباده (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) عن أعمالهم. وقال ابن بحر : لا يحاسب وهم يحاسبون. وقيل : لا يؤاخذ وهم يؤاخذون انتهى. (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لأنهم مملوكون مستعبدون واقع منهم الخطأ كثيرا فهم جديرون أن يقال لهم لم فعلتم كذا.